مقالات عامة

الأدرى بشعاب واقعهم!

خيري منصور

سؤال إشكالي طالما كان محوراً لسجالات فكرية وإيديولوجية في المنطقة المسماة العالم الثالث من هذا الكوكب متعدد العوالم، وهو أيهما يفرز الآخر؟ الواقع أم النظريات؟
وحين تصدى الراحل د. إدوارد سعيد للإجابة عن هذا السؤال قال: إن معظم التجارب الفاشلة في العالم الثالث، ومنه العالم العربي، كان أحد أسبابها تقديم النظرية على الواقع، وهو أشبه بوضع العربة أمام الحصان.
واستشهد سعيد بتجارب اقتصادية، منها القطاع العام والتسيير الذاتي، وما سمّي الطريق اللا رأسمالي نحو الاشتراكية، وبالفعل كانت بعض تلك التجارب نسخاً كربونية عن تجارب أنتجتها مجتمعات، من خلال تراكم الخبرات.
ولو بقي سعيد حياً حتى أيامنا، وقرأ الكثير مما يكتب أو يترجم عن الحراكات العربية خلال السنوات السبع الماضية، لوجد تجسيداً حياً لما اتسع وتعمق من الفجوات بين المقول والمفعول، أو بين الأداء النظري المتأفق والبليغ وبين ما يجري بالفعل، وهنا نتذكر ما كتبه الإسباني غواتسلو عن الحراكات العربية من منظور عربي تراثي، حين قرأ ما حدث في عالمنا العربي من خلال ابن خلدون، ولأن أهل أي واقع في العالم هم الأدرى بشعابه، فإن معظم ما نشر وتداوله الإعلام حول الواقع العربي، وما عصف به من أعاصير سياسية واقتصادية يندرج في خانة الاستشراق الجديد. وهو استشراق سياسي وعسكري بامتياز، على الأقل منذ احتلال العراق، لأن البديل الحديث للاستشراق الكلاسيكي، هو ما يكتبه استراتيجيون تابعون للإدارة الأمريكية والبنتاجون.
فإلى متى سيستمر هذا الطلاق البائن بينونة كبرى بين الواقع وما يكتب عنه؟ وكيف ننتظر الشفاء لمريض يتعاطى عقاقير كانت وصفاتها لمريض آخر؟
بالرغم من إدراكنا للمشترك الإنساني في الكثير من القضايا والحيثيات، فإن هذا المشترك لا يحذف الفوارق قدر تعلقها ببيئات ثقافية ومكونات حضارية وأنماط إنتاج اقتصادية!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى