قضايا ودراسات

الأسلحة النووية.. تهديد دائم للبشرية

غراهام بيبلز

وجود الأسلحة النووية هو بحد ذاته رمز بغيض لمشاعر عنف تبتلى بها الإنسانية. وطالما أن الأسلحة النووية موجودة، سيكون هناك خطر استخدامها، مع ما يستتبع ذلك من إبادة
بالرغم من التقدم التكنولوجي الهائل، وتطور الرعاية الصحية، وعجائب الإبداع الفكري، لم يتغير شيء كثير في المشاعر الإنسانية الجماعية. والعصبية، والرغبات الأنانية تبقى على الدوام، والميول السلبية تستشري في أنظمة اقتصادية – اجتماعية سائدة. والناس والأمم يعيشون في تنافس دائم، وفي جو من التباعد وانعدام الثقة، ما يؤدي إلى تنافر، وتخوف، وتنازع.
وتستغل الدول هذا الانعدام المتعمد للأمان كمبرر للحفاظ على قوة عسكرية، في حين أن القوى النووية في العالم تجهز نفسها بأسلحة ستدمر كل حياة على الأرض إذا استخدمت. ومع ذلك، وخلافاً للمعاهدات التي تحظر الأسلحة الجرثومية والكيماوية، والألغام الأرضية، والقنابل الانشطارية، فإن امتلاك أسلحة نووية ليس محظوراً بموجب القانون الدولي، ولو أن استخدامها سوف ينتهك أعداداً كبيرة من معاهدات ومواثيق دولية.
إن الأمن المستدام لا يمكن أن يوجد من خلال التهديدات، وإثارة الخوف، وإنما من خلال بناء علاقات إيجابية، والتعاون، وترسيخ الثقة. وطالما أن الأسلحة النووية موجودة، سيكون هناك خطر استخدامها، مع ما يستتبع ذلك من إبادة. وكما أعلن تحالف منظمات المجتمع المدني «الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية»، فإن «تحريم الأسلحة النووية، وإزالتها كلياً هما الضمانة الوحيدة لعدم استخدامها». والتعقل يقتضي أن نعمل من أجل عالم خال من الأسلحة النووية – بصورة عاجلة. وهذا يستلزم بالضرورة أن تزيل القوى النووية أسلحتها، إما من طرف واحد، وإما بصورة ثنائية، أو جماعية. ولا بد من أن تبدأ قوة نووية ما هذه العملية. والقيام بمثل هذه المبادرة الأخلاقية سيضع ضغطاً على الآخرين لكي يفعلوا المثل – وإلا، كما قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج شولتز، فإن «الانتشار النووي يستتبع انتشاراً نووياً».
إن تطهير العالم من أدوات الدمار الفظيعة هذه لن يكون خطوة كبرى نحو صون البشرية والكوكب فقط، وإنما سيمثل أيضاً انتصاراً لمبادئ الخير الإنسانية – من سلام وأمن وتعاون – على البغض، والارتياب، والتنازع.
ولا يمكن أن يكون هناك شك يذكر في أن الأكثرية العظمى من الشعوب والدول في العالم تود إزالة الأسلحة النووية، إلا أن حكومات بعض من أقوى الدول هي التي تقف عقبة أمام التعقل، والتقدم. إنها تلك الحكومات التي تخدم مصالح الشركات والأعمال الكبرى، وهي حكومات لا تحركها رغبة متقدة في المساهمة في بناء عالم سلمي، وإنما تحركها النفعية، وضغوط المستثمرين الماليين، ومصالح صناعة الأسلحة.
وفي أواخر العام 2016، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً مرجعياً يقضي بالبدء ب«التفاوض حول معاهدة ملزمة قانونياً لتحريم الأسلحة النووية، وإزالتها كلياً». وقد بدأت مفاوضات في فبراير/شباط من هذا العام، وأسفرت مرحلتها الأولى عن طرح مشروع قرار على التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وصوتت 123 دولة على تحريم الأسلحة النووية، في حين أن القوى النووية التسع ( الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، الهند، باكستان، «إسرائيل»، وكوريا الشمالية ) صوتت ضد مشروع القرار، وحذت حذوها دول أخرى مثل بلجيكا، وكرواتيا، وإيطاليا، والنرويج وغيرها. وهذا عار على هذه الدول. هذه الحكومات المعطلة لا تمثل رغبات شعوبها، بينما دوافعها فاسدة، وأعمالها غير مسؤولة.
والأمر المثير للاهتمام هو أن الدول التي تملك أسلحة نووية تعتقد أنه لأمر جيد أن تمتلك هي أدوات الدمار هذه، ولكن ليس دول أخرى، خصوصاً تلك التي لديها رؤية مختلفة للعالم. وهذه الدول التسع تمتلك مجتمعة نحو 15 ألف سلاح نووي، منها 93 % في الترسانتين الأمريكية والروسية.
ولنتأمل في واقع أنه لو تم تفجير سلاح واحد فقط، من هذه الأسلحة النووية فوق مدينة كبيرة، فإن ذلك سيقتل الملايين من الناس، في حين أن تأثيرات الأشعة النووية سوف تستمر لعقود، أو أكثر.
..إن السلام العالمي لا يمكن ضمانه بترسانات نووية.

كاتب مستقل وناشط سلمي – موقع «كاونتر بانش»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى