قضايا ودراسات

الأقصى سيهزمهم

فيصل عابدون
من دون الدخول في سجالات حول شدة ردود الفعل أو ضعفها في مواجهة المغامرة «الإسرائيلية» الأخيرة في المسجد الأقصى المبارك، وفرض وقائع جديدة داخل الحرم القدسي الشريف وتغيير الوضع القانوني والتاريخي في القدس، عبر استغلال ثغرة الخلافات العربية الراهنة، لتكريس الهيمنة وتمرير مخططات التهويد المبيتة، من دون الدخول في نقاشات من هذا النوع، فإننا نقول باطمئنان ويقين إن الأقصى سيهزمهم ويحطّم أحلامهم التوسعية.
والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهو مسرى الرسول الكريم، هو تلك البقعة الطاهرة التي تعيش في صحو المسلمين وأحلامهم، وهو الضمير الحي لأمة عديدها يفوق المليار، ولئن كانت هذه الأمة تعيش اليوم ظروفاً يسودها الاضطراب، فإنها لا تزال مفعمة بالحيوية والقوة، مقاتلة وتثبت الأحداث المتلاحقة استعدادها الدائم لدفع ضريبة الدم بسخاء لا مثيل له. ولا تستطيع قوة في الأرض أن تقصد الأقصى بالعدوان من دون أن تثور البراكين الخامدة. وأي مغامرة غير مدروسة للاقتراب منه هي مخاطرة مميتة.
إن الهجمة «الإسرائيلية» لا تزال في بدايتها والمواقف تتطور، وإذا كانت إجراءات الحصار العسكري التي فرضتها حكومة نتنياهو على المسجد الأقصى المبارك وتمرير مشروع قانون الاستيلاء على القدس، هو بالون اختبار لمعرفة المدى الذي يمكن أن تبلغه سلطة الاحتلال في ابتلاع المزيد من الأراضي في المدن المحتلة، فإنها ترتكب خطأ فادحاً ستكون تكاليفه وتداعياته باهظة.
إن دولة الاحتلال بلغت بالفعل موقع الدولة المنبوذة، كما أن دبلوماسيتها الاستعراضية على مدى السنوات الماضية لم تنجح في تغيير هذه الصورة الشائهة أمام العالم الذي تشهد قياداته وشعوبه على السياسات العنصرية المتطرفة والانتهاكات الدموية لحقوق الإنسان الفلسطيني وأرضه ومقدساته وازدراء القوانين الدولية. فهي دولة مارقة في مواجهة العالم.
وخلال رحلته الأخيرة إلى باريس للمشاركة في ذكرى انتهاكات تاريخية تعرّض لها اليهود، واجه نتنياهو تظاهرات تطالب بطرده وتصفه بالفاشي والقاتل، علاوة على انتقادات سياسيين ومفكرين فرنسيين رفضوا قدومه وندّدوا بمحاولته استغلال مناسبة تخص ضحايا فرنسيين، بينما يداه ملطختان بدماء آلاف الضحايا الفلسطينيين.
ومع ذلك، دأبت سلطة الاحتلال على إهدار فرص السلام واحدة بعد الأخرى، وهي تعتبر أن مظلة الحماية الأمريكية تمنحها تفويضاً مفتوحاً لاستدامة احتلالها للأرض الفلسطينية وتنفيذ سياسات التهويد والاستيطان التي يرفضها العالم بأسره.
إن بإمكان قادة «إسرائيل» الانطلاق المجنون خلف أحلامهم المستحيلة والمراهنة على مظلة أمريكية لحمايتهم من العالم، وبإمكانهم الاستمرار في سياسات الخداع والتلاعب الدبلوماسي وافتراض الضعف في عالم عربي يعيش ظروفاً متقلبة، لكنهم حينما يقتربون من المقدسات فإنهم يقتربون من نهايتهم المحتومة.

shiraz982003@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى