الإبضاع في الشريعة الإسلامية
د. عارف الشيخ
الإبضاع مصدر الفعل أبضع يبضع إبضاعاً، فالإبضاع هو بعث المال مع من يتّجر به تبرّعاً والربح كله لصاحب المال، وعند المالكية حتى لو كان بالأجر فإنه إبضاع.
والفرق بين الإبضاع وبين القراض والمضاربة، أن العامل في الإبضاع متبرع، وفي القراض والمضاربة له جزء مشاع من الربح (انظر حاشية ابن عابدين ج٤ ص ٥٠٤).
والإبضاع من العقود التي تحتاج إلى إيجاب وقبول ويصح بصيغة خذ مني هذا المال واتّجر فيه والربح كله لي، وأما إذا قال: خذ هذا المال واتّجر فيه مضاربة فإنه لا يصح إبضاعاً عند الحنابلة لأنه يفقد معنى التبرع الذي يلازع الإبضاع.
فقوله: والربح كله لي يخرج مفهوم المضاربة، وقوله: واتّجر فيه مضاربة يخرج مفهوم الإبضاع وقد بينا الفرق بينهما عند التعريف.
وإذا قلنا بأن أركان عقد الإبضاع هي مُبضِع (بضم الميم وكسر الضاد)، ومُبضَع (بضم الميم وفتح الضاد) (العامل) فالأول هو المعطي والثاني هو الآخذ، ورأس المال هو البضاعة، والصيغة: أبضعتك.
إذا قلنا هذا فإن المبضع الذي هو الآخذ يعدّ في نظر الشرع أميناً فيما يقبضه من رب المال، فلا ضمان عليه إلا إذا تعمّد الإتلاف والإهمال، وهو وكيل عن صاحب المال ينوب عنه في كل ما يهدف إلى إنماء المال.
ويلاحظ أن المبضَع ينوب عن رب المال في تصرفاته لكنه لا يصح أن يتّجر في المال لنفسه، بل لصاحب المال وحتى ربحه لصاحب المال أيضاً، أما الخسارة فعلى العامل لأنه أهمل أو تعدّى، إلا إذا كان الخسار من غير تفريط منه، والقول قوله لأن العين في يد الصنّاع أمانة وهكذا في يد المبضَع (العامل) أيضاً (انظر مواهب الجليل ج ٥ ص ٣٧١، وانظر حاشية ابن عابدين ج ٥ ص ٤٠، وانظر القليوبي ج ٣ ص ٨١ وانظر المقنع ج ٢ ص ١٧٢).
وإذا اختلف المالك والعامل في أصل العمل فقال العامل: أخذت المال منك مضاربة وقال المالك: بضاعة (والفرق بينهما واضح) فإن رأي الجمهور أن القول قول المالك مع يمينه لأنه منكر، وقال المالكية، بأن العامل في هذه الحالة له أجرة المثل، (انظر مواهب الجليل ج ٥ ص ٣٧٠).
أما الحنابلة فقالوا: يمكن أن يكون القول قول العامل لأن عمله له، ويمكن أيضاً للاثنين معاً ويكون للعامل أقل الأمرين من نصيبه أو أجرة مثله (انظر المغني ج ٥ ص ١٩٥).
يقول الدكتور الحداد من علماء دبي في كتابه (من فقه الوقف): «إن الإبضاع من مجالات الوقف النقدي، فإذا كان هناك من يملك المال ولا يحسن التصرف في المال بيعاً وشراء فإنه من المستحسن أن يستثمر هذا المال شخص آخر (مُستبضع) وهذا المستبضع لا يخلو من نفع معنوي في اكتساب الشهرة أو نفع مادي حيث يوسع بهذا المال رأس مال تجارته، إلا أنه يعود بربح مال أخيه إليه».
ثم يقول: «فإذا كانت التجربة الصادقة تقضي أن مثل هذه التجارة لا تخسر فإن على إدارة صندوق الوقف أو ناظر الوقف أن يعرض رأس المال الوقفي على التجار للاتّجار به للصندوق الوقفي». (انظر كتابه ص ٨١- ٨٢) واليوم فإن الكثير من الأموال تعود إلى أيتام قُصّر موقوفة عليهم أو جهات خيرية، وهي تنتظر الرعاية الأمينة.
فعلى ناظر الوقف أن ينمّي هذا المال من خلال البنوك الإسلامية التي تتعامل بالأسهم وبيع العملات والمضاربة والإبضاع وغيرها لكن تحت إشراف الرقابة الشرعية.