الإحساس بالحرب من دون لمسها!
د. عصام نعمان
في العالم الافتراضي القادم:
الحرب كالحُب يمكن الإحساس بها من دون لمسها!
يستحوذ على تفكيري منذ أسبوع خبر مثير يحفّز المخيّلة على اجتراح أعمالٍ افتراضية عجائبية ومقلقة في آن. ففي عيد الحب (14 فبراير/شباط) عُرضت في لندن تحفة رقمية Digital للبيع مقابل مليون دولار. التحفة عبارة عن لوحة لوردةٍ حمراء بيعت لعشرة جامعين للفنون، تقاسموا ثمنها بالتساوي بالعملات الرقمية لتصبح أغلى عمل فني رقمي على الإطلاق.
اسم العمل «الوردة الأبدية» Forever Rose، أنتجه الفنان الرقمي كيفن إيبوش بالتعاون مع منصة Gifto للهدايا عبر تقنية Technology «بلوك تشين» التي تدعم العملات الرقمية وأشهرها بتكوين. وبحسب موقع C.N.N، يُعتبر قطاع الفن الرقمي سوقاً جديداً لها روادها، على الرغم عدم إمكان المشتري لمس العمل الفني الذي يبتاعه كما يستحيل عليه تعليقه في منزله، غير أن بإمكان المشتري الاحتفاظ بنموذج عن عملٍ فني، كالوردة الأبدية، أو حتى بيعه أو إهداؤه إلى صديق في مناسبة معينة.
قيل إن الغاية من إنتاج الأعمال الفنية الرقمية، دفع الناس إلى التفكير بتقنية «بلوك تشين» وطريقة تطبيقها على العالم الفني.
ماذا لو أمكن تطبيقها على الميدان العسكري؟
منتج تحفة «الوردة الأبدية» كيفن إيبوش، قال لموقع C.N.N الأمريكي، إن الناس يقيّمون الأمور عادة «باستشعارها ولمسها، لكن هناك أمور أكثر قيمة كالحب، يمكن الإحساس بها من دون لمسها». حسناً. لنفترض أن علماء عباقرة تمكّنوا من تطبيق تقنية «بلوك تشين» على ميدانيّ الاستخبارات والحرب، فماذا يمكن أن يحدث؟ هل يمكن اجتراح حرب مثلاً وتحقيق أهدافها، من دون أن يلمس العدو المستهدَف عملياتها وفصولها التنفيذية؟ وهل يمكنه الإحساس بها كالحب! من دون لمسها؟
العلماء الأفذاذ تمكّنوا من ابتداع الإنسان الآلي Robot، ولن يستعصي عليهم تالياً ابتداع تقنية تمكّن الإنسان الطبيعي، وربما الإنسان الآلي، من شن حرب على عدو أو أعداء متعددين، وتحقيق أهدافها من دون أن يلمس المستهدَفون عملياتها وتفاصيلها وربما حتى الإحساس بها!
لعل أخطر ما يمكن أن يحدث في هذا المجال، هو أن يتمكّن علماء من فئة الناس الطبيعيين من بناء إنسان آلي يمتلك الحواس الخمس، التي يمتلكها البشر الأسوياء ويستعين بها، من خلال تقنية «بلوك تشين» أو غيرها أكثر تطوراً، لتعطيل الحواس الخمس لدى إنسان أو مجموعة من الناس الطبيعيين، في سياق مخططٍ حربي جهنمي لتعطيل قدراتهم أو كسر إرادتهم أو حتى إبادتهم، بل لنتصوّر أو نتخيّل ما يمكن أن يحدث إذا ما تمكّن أناس آليون يتمتعون بقدرات الذكاء الاصطناعي (الذي بات متوافراً الآن)، من الإفلات من سلطة العلماء والقيادات المسيِّرة للناس الآليين ومراقبتهم، للانغماس في حروب فيما بينهم؟!
ثمة سؤال أكثر خطورة يمكن طرحه: ماذا لو تمكّنت فئة من الناس الآليين، بذكائهم الاصطناعي القابل للتطوير والتفعيل، من امتلاك القدرة على التوالد بمعزل وباستقلال عن الناس الطبيعيين؟ ألا يصبح سكان الكون، في هذه الحال، مكوَّنين من جنسين: واحد طبيعي، والآخر آلي؟ وكيف ستكون العلاقات بين الجنسين المختلفين وربما المتصارعين؟!
قد يقول قائل: ألا يستطيع الإنسان الطبيعي المقتدر الذي تمكّن من اختراع إنسان آلي قادر أيضاً، اختراع آليات لضبطه والتحكم بذكائه الاصطناعي، وبالتالي إدارته على نحوٍ سليم من دون أن يصدر عنه أي أذى؟
غير أن سؤالاً أكثر احتمالاً يمكن أن يُطرح وهو: أليس ما فينا يكفينا؟! أليس ما لدينا من حروب واضطرابات ومخططات ومشاكل كافٍ وحده، كي يستأثر بكل تفكيرنا واهتمامنا في عالمنا الطبيعي، فلماذا نُشغل أنفسنا باحتمالات وتحديات عالم افتراضي بعيد التحقق، وربما مستحيل؟
إنه سؤال منطقي بلا ريب. لكن، في المقابل، هل منطقي ما يفعله الناس الطبيعيون في كوكبنا الأرضي ببعضهم بعضاً أيضاً؟ ألا يشكّل ما يفعله الناس الطبيعيون ببعضهم بعضاً احتمالاً جدياً، بأن يفعلوا أموراً أخرى غير طبيعية، أشد قسوة، وفوق قدرتهم على التخيّل الآن؟
يبدو أن كل شيء يمكن أن يحدث في العالم الافتراضي. وما دام الأمر كذلك، فالأفضل أن نكفّ عن تخيّل وافتراض ما يمكن أن يحدث في قابل الأيام، وأن ننصرف اليوم إلى الاستمتاع بلذائذ الحواس الخمس وفوائدها!