قضايا ودراسات

الإسقاط السياسي

خيري منصور

أضاف علم النفس السياسي الكثير إلى أدبيات السياسة الكلاسيكية، سواء ما يتعلق بالحروب النفسية أو الإسقاط وإنكار الواقع، ولو اقتصرنا على ما يسمى الإسقاط فهو في السياسة يشبه ما يحدث للأشخاص الذين يعانون فكرة متسلطة. ولا يرون أي مشهد في الواقع معزولاً عن رغائبهم وأمنياتهم. وفي عالمنا العربي يستطيع أي باحث رصد هذا الإسقاط من خلال الإعلام أولاً، ومن ثم من خلال ما يقدمه باحثون وخبراء استراتيجيون من تحليلات، منها ما يضع العربات أمام الخيول، والنتائج قبل المقدمات، خصوصاً في الأزمات التي يتعذر انفراجها في المدى المنظور، لكن هناك عوامل موضوعية تحول دون انفجارها، ومن ينتظرون من العربات أن تجر الخيول لن يحصدوا سوى الخيبة، تماماً كما أن من يصر على إنكار الواقع ويستبدله بواقع متخيل أو افتراضي سيجد نفسه كمن يسجل الأهداف في مرماه.
وقدم الصراع العربي – الصهيوني خلال ستة عقود على الأقل عينات من الإسقاط السياسي، كان أبرزها ما جرى في الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ حين غطى صخب الطبول على الحقائق فكانت الصدمة التي خلخلت الواقع كله، وكان من الصعب ترشيدها!
والمفارقة هي أن العربي قبل أكثر من ألف عام كان على وعي فطري بالإسقاط فحاول تجنبه لهذا كان أحياناً يمتدح قوة الخصم ولا يقلل من شأنه لكي يكون لانتصاره معنى، وكي لا يتحول إلى دونكيشوت الذي تكسرت سيوفه على طواحين الهواء.
والإعلام العربي في تلك الآونة الصعبة لعب دور «سانشوا» في رواية دونكيشوت، لأنه تولى إبلاغ الناس بانتصارات سيده!
وما نقرأه أو نسمعه أحياناً من تحليلات لظواهر في الدولة العبرية يرشح منه الإسقاط، بحيث يختار المحلل من الظاهرة أو المشهد ما يستجيب لرغباته أو رهانه السياسي.
وهناك أيضاً من يقرأون الصحف العبرية أو ما يترجم منها إلى العربية بعين واحدة، وتحت ضغط الإسقاط الذي يجعلهم لا يرون من الزجاجة غير النصف الذي يريدونه!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى