“الإسلاميون” و”الإلحاد”
منير أديب
يبدو للوهلة الأولى أن التيارات الإسلامية لديها مشكلة مع الملحدين، قد تكون هذه حقيقة لو سلمنا بأن هذه التيارات لديها المشكلة نفسها مع المختلف عنها، وهذا ليس إقراراً لأمر ولا دعوة اليه، بقدر ما هو قراءة لسلوك التيارات الإسلاموية التي حكمت على المختلف معها ونصّبت نفسها قاضياً عليه، فهي بمثابة خصم وحكم في الوقت نفسه.
سلوك التيارات الإسلاموية تجاه المختلفين عنها زاد من هؤلاء المختلفين؛ فوجود الإسلاميين على رأس السلطة في عدد من البلدان العربية رفع من نسبة الإلحاد في هذه المجتمعات، فبدلاً من أن يتجه النّاس ناحية النموذج الذي قدمة هؤلاء الإسلاميون، هربوا من هذا النموذج، ليس هذا فحسب ولكن كفروا به.
من أهم مشكلات الإسلاميين عموماً و”الإخوان المسلمين” على وجه الخصوص، أنهم رفضوا أن يفصلوا ما بين الدعوي والسياسي، خلطوا آراءهم السياسية بالمقدس الديني، فقدموا الدين في ثوب السياسة، وقدموا اجتهاداتهم السياسية على أنها المقدس الذي لا بد من أن يتبعه النّاس، وهنا كان مكمن الجريمة في حق الدين.
فشل الإسلاميون وتحمّلوا مسؤولية فشلهم، ولكن انعكس هذا الفشل على الدين الذي لم يفصلوه عن السياسة، وهنا كان حكم النّاس على الدين من وجهة نظرهم تجاه هؤلاء الإسلاميين، والنّاس معذورة في ذلك، فالإسلاميون قدموا الدين في ثوب السياسة، فعندموا فشلوا سياسياً ورفضهم النّاس، رفضوا الدين بطريقة لا شعورية أو بصورة ورطهم فيها الإسلاميون الذين لم يفصلوا ما بين الدين والسياسة.
الإسلاميون يتعاملون بعنصرية مع المختلفين معهم، هذه العنصرية دفعتهم لرفض الآخر لمجرد الاختلاف معهم، رفض بالكلية، ليس ذلك فحسب، بل قدم الإسلاميون أنفسهم للناس على أنهم الدين نفسه، وعندما كان ينتقدهم النّاس كانوا يواجهونهم بشراسة، وكأن هؤلاء انتقدوا الدين وليس مجرد انتقاد لأشخاص، هذه الحالة ساعدت النّاس كي تكفر بهؤلاء الإسلاميين، ليس هذا فحسب، ولكن كفروا بدين هؤلاء أيضاً.
ارتفعت أعداد الملحدين في عالمنا العربي خلال العقد الأخير، وازدادت أعدادهم في البلدان التي وصل فيها الإخوان إلى سدة الحكم للأسباب السابق ذكرها، بل بات هؤلاء الملحدون أكثر تنظيماً، وأغلب أفكارهم التي طرحوها ترتبط بممارسات التنظيم.
بات الإسلاميون خطراً على الإسلام، وهو ما يستلزم بذل الجهود من أجل الحفاظ على هذا الدين من اعتداء تنظيمات العنف والتطرف، فهؤلاء كما شوّهوا أوطانهم وهددوها فإنهم شوّهوا الدين، وخلطوا على الناس المفهوم الصحيح لهذا الدين، فباتت الناس في حيرة من أمرها، تبحث عن ذاتها وتبحث عن الدين أيضاً بعيداً من اجتهادات “الإخوان المسلمين” التي قدموها للناس على أنها الدين.
الدين أنزه من أن نحصره في تصور أو نحطه قيد اجتهاد واحد، صحيح نجتهد في فهم النصوص الدينية، ولكننا في الوقت نفسه لا نحتكر فهم الدين، ولا يجوز أن نقدم اجتهاداتنا على أنها هي الدين نفسه، هي مجرد اجتهادات ونظرة الى الدين، قد تكون نظرة صحيحة وقد لا تتسق مع الفهم العصري الحديث للدين، وهنا نقول، الفهم العصري لا نقصد منه التخلي عن مقاصد الدين ولا فرائضه، ولكننا فقط ننظر الى الدين على أنه نزل الى الإنسان، يوازن ما بين متطلباته واحتياجاته وما أوجبه الله على الإنسان من فرائض.
هناك من صوّر الدين على أنه جهاد فقط فدندن حول هذا المفهوم، وليته فهمه على الطريقة الصحيحة، هؤلاء نسوا أو تناسوا أن الإسلام دين الرحمة، وأنه نزل كي يعيش الناس به لا أن يقتلوا بعضهم بعضاً باسمه. الإسلام لا يدعو الى القتل ولا يحرّض عليه، وآيات القتال محددة في النصوص الدينية ولها شروطها، ولا يحق لعوام الناس أن تفعل ذلك أو أن تفتئت على حق الحاكم في إقامة بعض آيات القتال على المختلفين عنهم.
لا شك في أن سلوك هؤلاء الإسلاميين دفع الناس للهرب منهم ومما يعتقدون، هذا أحد الأسباب التي دفعت النّاس إلى الإلحاد، وارتباط انتشار هذه الظاهرة بصورة ملحوظة في الدول التي وصل فيها “الإخوان المسلمون” إلى السلطة، ففشلوا سياسياً فكان حكم الناس على عقيدة هؤلاء، لأنهم لم يفصلوا بين الدعوي والسياسي من ناحية، فضلاً عن أنهم صوّروا للناس سلوكهم على أنه الدين، فعندما حكموا بفشلهم كفروا أيضاً بعقيدة هؤلاء، ظناً منهم أنها هي الدين.
هناك من الإسلاميين من طرح فكرة الفصل بين الدعوي والسياسي، ولكنه طرحها بصورة نظرية، ولم يكن لهذا الطرح أي مردود على أرض الواقع، الطرح كان نظرياً ولم يلق قبولاً من قطاعات عريضة من الإسلاميين. فقد اشتبكوا مع من طرحه كما اشتبكوا مع الفكرة، وفي النهاية خاصمها الجميع. هؤلاء هم المسؤولون عن زيادة أعداد الملحدين في مجتمعاتنا العربية.
عندما تقترب من أولئك الذين خاصموا الدين، تجد أن هذه الخصومة جاءت على خلفية عدم المعرفة أو المعرفة المشوّشة للدين، هذه المعرفة يُسأل عنها الإسلاميون، هؤلاء نجحوا في التأثير في المسلمين الجدد في بعض الدول غير العربية وغير الإسلامية، فتبنّوا مفهوم هؤلاء الإسلاميين عن الجهاد. فكثير من الذين مارسوا العنف في مناطق الصراع مثل سوريا والعراق وأفغانستان، وبخاصة من الجنسيات غير العربية، قطاع كبير منهم من المسلمين الجدد، لمجرد أنهم أسلموا تأثروا بخطاب هؤلاء الإسلاميين الجانح الى العنف.
مجرد اقترابك من نقد الإسلاميين وما يعتقدون أو انتقادك الاجتهادات الدينية – فنحن متفقون على أنهم يتبنون خيارات فقهية، لا يمكن أن نحصر الدين فيها – هذا الانتقاد يدفعهم الى إشهار أسلحة الكفر في وجهك، فهذا مخزونهم في التأثير في الناس لو تم التأثير فيه غابت حجتهم، وبالتالي لن يصبح لهم تأثير حقيقي، والأمر الثاني أنك تنتقدهم وتنتقد مشروعهم، وهذا كفيل بأن يعرّضك لخطر الاغتيال الجنائي أو المعنوي.
لا بد من أن نتعامل مع الإسلامويين على أنهم ليسوا خطراً على الأوطان وأمنها، بل يشكلون خطراً على الدين نفسه، وبالتالي لا بد من التعامل مع أخطارهم بمستوى التهديد نفسه، بمعنى نواجه خطرهم على العقيدة لأنه لا يقل عن خطرهم على الأوطان. فكلما زاد خطرهم على الدين انعكس على الوطن والمواطنين، وهنا وجبت حماية الدين والوطن. فأي تفسيرات غير سوية للدين تؤدي بنا إلى العنف والكراهية، وهو ما يشكل خطراً على الوطن.
للمؤسسات الدينية في عالمنا العربي، وفي مقدمتها الأزهر الشريف والمؤسسات الملحقة به، مثل دار الإفتاء والأوقاف، دور كبير لا يقل عن دور أجهزة الأمن، فكيف لدولة أن تواجه تطرف تنظيمات وتيارات دينية بينما تعجز المؤسسة الدينية عن تفكيك أفكارها ومقولاتها؟ فكلما واجهتها في مرحلة خرجت في المرحلة التي تليها، وهنا وجبت مواجهة المؤسسة الدينية في مصر والمجامع الفقهية في المنطقة العربية لهذه التنظيمات، ولا بد من أن يرتكز الهدف في تفكيك هذه التنظيمات من الناحية الفكرية، بحيث لا يُصبح خطابها مؤثراً، هذه المواجهة لا بد من أن تسير بالتوازي مع المواجهة الأمنية والعسكرية، من دون ذلك سنصبح وكأننا نحرث في الأرض بلا فائدة.
علاقة طردية بين نشاط تيارات العنف والتطرف وزيادة أعداد الملحدين في المنطقة العربية؛ كلما زاد نشاط المتبنين لأفكار التيارات الدينية زادت أعداد الهاربين من الدين. الخلل البنيوي الذي أصاب مجتمعاتنا له علاقة بوجود التيارات الإسلاموية، ولا يمكن مواجهته إلا من خلال المؤسسات الدينية، شرط أن تكون قادرة على هذه المواجهة، وأن يكون لديها الوعي والإرادة الكافيان لهذه المواجهة حتى تفكك أفكار هذه التنظيمات وتكون قادرة على تقديم الأصل وليس البديل للأفكار غير السوية.
نقلاً عن “النهار“