مقالات عامة

الإشكاليّة الزمانيّة في اللغة

عبد اللطيف الزبيدي

هل تحيا العربية عصرها؟ هذا السؤال يشبه مفاتيح اللصوص، يمكن أن يفتح ألف باب. خارج المصطلحات العلمية الحديثة، تلوح لغتنا أثرية في معاني مفرداتها، أحفورية في تراكيبها، طللية في إيحاءاتها، قرونية غابرة في بيئتها وعناصر حياتها، مسرحها وما يستتبع ذلك من مفاهيم، وما يجتمع في النهاية كقاموس هويّة في الزمان والمكان.
بعد هذا التقديم، الذي به مسحة تنظير وفضول علمي، معاذ الله أن يكون القلم يريد إصابة القراء بالرجفة والخوف أمام حقيقة أن اللغة، وهي عنوان الهوية، تعروها أعراض تدل على الوجود خارج العصر، حتى لا نقول تسير نحو الاندثار. بعبارة ذات دعابة جادة، تمثل العربية مادة فائقة الاتساع للعكوف على دراستها على طريقة بحوث علم الأحياء القديمة، علم الإحاثة، دراسة الكائنات الحية التي ظهرت في العصور الجيولوجية الخالية (الباليونتولوجيا).
سياسيا، هذا نذير خطر يحتاج إلى معجزة عيسوية لإحياء العربية وجعلها تحيا عصرها، ما يدفع إلى الإحباط، لكون مصادر القرار السياسي في العالم العربي نائمة غير صاحية، واهمة غير واعية. هي نفسها تعيش، لا تحيا، بعيداً من زمانها. لكن ذلك ليس كل الحقيقة، فعلى الصعيد التنموي النابع من الإرادة الصادقة، والتخطيط المنهجي العلمي المقتدر، لا محل للمحال. الحديث عن انعدام الإمكانات أغلوطة ومغالطة، فها هو العالم، القريب والبعيد، تتصارع قواه العظمى وما دونها، على مقدّرات العرب.كيف ينبغي لعاقل إذاً التخريف بأن العربي اليوم بمثابة نياندرتالي يواجه صعود نجم الإنسان العاقل (هومو سابيان)؟ إلا أن مشهد تضاؤل الجهود الفعالة في مد لغتنا بالغذاء والمكملات الغذائية، لا يبشر بخير، فالأنكى هو المعاول الخارجية التي تعمل ليل نهار على هدم الجسم بكامله. من هنا ندرك أن حياة اللغة في عصرها حديث خرافة، إذا كان القرار السياسي غائباً غافلاً عن التنمية التعليمية العلمية الاقتصادية الدفاعية. لا يتسنى شيء من ذلك، إذا لم يقم البنيان كله على العلوم، لأن إنتاج العلوم هو حياة اللغة في زمانها. هذا هو الفارق بين عصرنا وبين العصور الماضية. العالم العربي اليوم متخلف لأنه يعيش على استهلاك الثروات الطبيعية، ويعاملها كمجرد عملة يقتني بها الأشياء. هو يرى أن الهوية تراث وميراث، غير مدرك أنه ليست له هوية جديدة مكتسبة. يحتاج إلى وقت ليفهم أن الهوية هي الأخرى مجال اكتساب متجدّد كقيمة مضافة لا تنال قدر ذرة من موروثها.
لزوم ما يلزم: النتيجة المعجمية: القدامى كان لهم قاموس عصرهم، فأين هو قاموس زماننا؟

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى