الاحتلال يتعمّد الاستيطان
يعمد كيان الاحتلال الصهيوني إلى عدم سماع الآراء التي تخالف مشاريعه، ويسعى أبداً إلى التمرد على كل المعاهدات والمواثيق، فردّاً على الدعوات المتكررة لوقف الاستيطان، قررت حكومة بنيامين نتنياهو المضي قدماً في خططها الاستيطانية، وأعلنت البدء في بناء أكثر من ثلاثة آلاف وحدة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، تضاف إلى آلاف الوحدات الأخرى تم الإعلان عنها في الأشهر القليلة الماضية.
يحاول كيان الاحتلال أن يطمر الضفة الغربية والقدس بالمستوطنات، تماماً كما يفعل بدوس الحقوق الفلسطينية في كل شيء، خصوصاً في هذه الأيام التي يعتدّ فيها الصهاينة بنتائج حرب 1967 المحفورة في الذاكرة العربية بمفهومها المؤلم «النكسة»، بينما يعتبرها الكيان «حرباً مجيدة»، استطاع خلالها احتلال كامل فلسطين خارج أراضي 1948، فضلاً عن سيناء المصرية والجولان السوري. وفي الذكرى الخمسين، أمعن الإعلام الصهيوني في «الاحتفال» ملقياً برسائله المشفرة في جميع الاتجاهات، نحو العرب عامة والفلسطينيين خاصة. في هذه الذكرى تم الإعلان عن مشروع «القدس الكبرى»، وهو مشروع استيطاني ضخم، كما تم التعهد باتخاذ إجراءات أخرى لسلب مزيد من الحقوق الفلسطينية، مثلما أوحى بذلك اللقاء الذي جمع نتنياهو بقادة المستوطنين، لبحث مشاريع التوسع الفوري وإنجاز ما تم إعلانه.
في الوقت الذي تستغيث فيه السلطة لإنقاذ عملية السلام المنهارة، يتعهد نتنياهو بمواصلة البناء في أنحاء الضفة الغربية المحتلة، و«عدم اقتلاع أحد من منزله»، في إشارة إلى المستوطنين الذين يستولون على أراضٍ فلسطينية، ويقيمون عليها وحدات سكنية ثم يدّعون أنها ملك لهم بحماية قوة غاشمة، ضمن سياسة رسمية يتبعها الاحتلال منذ اغتصاب فلسطين. وفي الفترة الحالية، أصبح الاعتداء طاغياً، ولم تعد هناك خطوط حمراء أمام هجمة الاستيطان والتهويد المدعومة بقوة من الظروف الإقليمية والدولية. وحتى الجهود التي قيل إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبذلها لإحياء المفاوضات و«إنقاذ السلام»، لم تثمر تلك الجهود شيئاً إلا مزيداً من الاستكبار الصهيوني والإصرار على تجاهل كل المطالب العربية والدولية بالانصياع للشرعية الدولية، وإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه.
المجتمع الدولي يعتبر الاستيطان مخالفاً للقانون الدولي، وهو العقبة الرئيسية أمام حل «النزاع»، وهذا الموقف هو نقيض تام لسياسة كيان الاحتلال الذي يعتبر وجوده لا يكون إلا بالاستيطان وتوسيع بؤره، ومصادرة مزيد من الأراضي والبيوت من الفلسطينيين المضطهدين بقسوة. ومن شأن الإجراءات الأخيرة أن تضع على الرف مجدداً المساعي المزعومة لإنقاذ عملية السلام، وهو ما يفتح الباب أمام التغول الصهيوني في مقابل الضياع الفلسطيني في متاهات الأزمات والصراعات التي تجتاح المنطقة والعالم. فبعد هذه النتيجة لن يكون هناك حديث قريب عن وسيط أمريكي وآخر أوروبي، فنتنياهو ألقى بجميع الدعوات والتعهدات تحت قدميه، بزعم أن ضغوط غلاة المستوطنين هي التي تجعله يتخذ هذه المواقف المتشددة، بينما الواقع أنه هو زعيمهم، وكل ما يتم الإعلان عنه هذه الأيام وعد به نتنياهو منذ سنوات، عندما تعهد بتهويد كل فلسطين، وهو ما يفعل الآن.
مفتاح شعيب
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article