غير مصنفة

الاضطرابات الإيرانية.. قهر دفين

راندال ج. هولكومب*

الانتفاضات الجارية في إيران، ليست من تدبير جهات أجنبية؛ بل هي ثمرة السخط الحبيس والمكبوت لدى المواطنين الإيرانيين.
عندما قرأتُ عن التظاهرات في إيران، انصرف ذهني إلى المحاورات، التي كنت قد أجريتها مع مواطنين إيرانيين على مدى السنوات العديدة الماضية. منذ 2011- 2016 مارستُ التدريس في برنامج صيفي يستغرق أسبوعاً، حول نظرية الاختيار العام (التي يشمل مضمونها دراسة السلوك السياسي)، وكانت تضع البرنامج في جمهورية جورجيا، «مدرسة الاقتصاد الجديدة»، ومقرّها في العاصمة الجورجية، تبليسي. وكان البرنامج يجتذب طلاباً من دول مختلفة يتراوح عددها بين 25 و35 دولة كل عام، وفي كل عام، كان بعض الطلاب من إيران.
كنت أستمتع دائماً بالحديث مع الطلاب الإيرانيين، والإصغاء إلى وجهات نظرهم حول الحياة في إيران، وحول حكومتهم. وعلى الرغم من أنني لا أستطيع الادعاء بأن الطلاب الحاضرين كانوا اختياراً عشوائياً من الإيرانيين، فإنّ الأمر الوحيد الذي كان يبرز بوضوح شديد في الحديث معهم، كان الاستياء العام من حكومتهم القمعية.
وتشير التغطية الإخبارية للتظاهرات إلى إلقاء القادة الإيرانيين اللوم فيها على التدخل الأجنبي من جانب أعداء إيران، بما في ذلك «إسرائيل»، وبالطبع، الولايات المتحدة. وفي حين أنه لا يساورني شك في أن القادة السياسيين في تلك الدول (وغيرها) سيكونون سعداء بتشجيع التظاهرات ضدّ الحكومة الإيرانية، فإنني لا أشكّ أيضاً -من خلال أحاديثي مع مواطنين إيرانيين على مدى السنوات العديدة السابقة- في أن المصدر الرئيسي للاضطرابات هم المواطنون الإيرانيون، لا الحكومات الأجنبية.
والإيرانيون الذين تحدثت معهم لا يُحبّون السياسات الاجتماعية القمعية في إيران، ولا القبضة الشديدة التي تمارسها الحكومة الإيرانية على الاقتصاد. وكانوا قلقين من رصد الحكومة لنشاطاتهم، والعقوبات المحتملة، التي قد تُفرَض عليهم إذا خرجوا عن الخطّ بأي شكل من الأشكال.
أذكر إحدى الطالبات التي كانت سعيدة أثناء وجودها خارج البلاد، بالتحرر من لزوم تغطية شعرها بوشاح؛ لكنها كانت دائماً تحمل واحداً معها؛ لترتديه في حال التقاط صوَر. وكان همُّها: أن صورة لها من دون غطاء رأس، قد تظهر على «فيسبوك»، فيلتقطها أحد عملاء الحكومة، الذين يرصدون نشاطها.
وعلى الرغم من استياء الإيرانيين، الذين تحدثت إليهم من حكومتهم، كانوا يأملون في حدوث تغيير تدريجي يؤدي إلى مزيد من الحرية، ولا يميلون إلى أي نشاط انقلابي. لماذا؟ لأنهم يتذكرون «الحرس الثوري» وهو يسحق الاحتجاجات واسعة النطاق عام 2009، ويعتقدون أن تظاهرات مماثلة سوف تسفر عن إجراءات شديدة مماثلة، وعن فقدان للحرية في نهاية المطاف.
وقد أكرهتهم حكومتهم القمعية والاستبدادية على الاعتقاد بأن العمل ضمن النظام من أجل تغيير تدريجي، هو أفضل ما يمكن أن يأملوا فيه لمنحهم مزيداً من الحرية.
وبناءً على هذه الخلفية، تشكل التظاهرات الحالية في إيران أخباراً سيئة للحكومة الإيرانية. وإذا كان المواطنون حقاً قد تعرّضوا للتخويف وأكرهوا على عدم الجهر بالحديث عن الحكومة التي يعتقدون أنها تقمعهم، فإن ذلك يوحي باستياء واسع النطاق يمور تحت السطح، وسوف يستمر في الظهور والتنامي؛ حيث يبدو مرجّحاً على نحو متزايد، أن المحتجّين يمكن أن ينجحوا.
وقد نجحوا في السابق، عام 1979، ممّا أدّى إلى الثورة الإسلامية، التي وضعت النظام الحالي في موضعه. ويرى كثير من الإيرانيين الآن ذلك غلطة، حاولوا عام 2009 تصويبها؛ ليُخمَدوا بعنف، ويُخوَّفوا -كما قلتُ- من الانتفاض مرة أخرى.
والآن، ينتفضون من جديد، ويملك تيار الاستياء الصامت الذي يجري تحت السطح، طاقة كامنة لأن ينفجر ويخلق تغييراً رئيسياً. وهذا أمرٌ من المؤكد أنه سيلقى الترحيب من جانب خصوم إيران الأجانب، ولكن أولئك الخصوم الأجانب، ليسوا هم الذين يقفون وراء الانتفاضات. إن تلك الانتفاضات، ثمرة السخط الحبيس والمكبوت، الذي يُكنه المواطنون في إيران.

*أستاذ الاقتصاد في جامعة ولاية فلوريدا، الأمريكية. موقع: «ذي بيكون»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى