قضايا ودراسات

البحث عن الفيروس المنشود

الهمّ الذي يشغل «إسرائيل» الآن، عبّرت عنه إحدى صحفهم قائلة: «يجب البحث عن حلّ للفراغ السياسي الذي ستتركه نهاية «داعش» في الشرق الأوسط». كيف يمكن تفسير ذلك؟ هجاء لاذع هذا، أم استخفاف بالسياسات العربيّة؟
الحديث عن «فراغ سياسي» ضربة موجعة للشخصية العربية. معنى ذلك أن علينا أن نلقي بكل ما نعرفه عن السياسة والمفاهيم السياسية في سلة المهملات. المشكلة ليست في العربيّ العادي الذي يمثل الشعوب العربية كلها، المعضلة العصية على الحل، هي أن النظام العربيّ لا يستطيع أن يدرك أن الإرهاب سياسة، وأن زواله يترك فراغاً سياسياً في الشرق الأوسط، أي في العالم العربيّ، وأن سياسات البلدان العربية، لم يكن لها حضور ولا وجود يملأ الفراغ، لا قبل عصابات الإرهاب ولا بعدها، وأن نهايتها، في نظر المخططين، ستورث كارثة يجب التحسّب لعواقبها. بمنتهى صراحة الغاصبين: كيف يمكن أن تُترك منطقة الشرق الأوسط للعرب شعوباً وأنظمة؟ بعبارة أشدّ وقاحة: لماذا لم «تنجح» المخططات في إبادتهم على بكرة أبيهم؟ المعنى: يجب البحث عن آفة أشدّ فتكاً من الإرهاب. الإرهاب خيب ظنهم بهزيمته، بالرغم من أنهم بذلوا الغالي والنفيس في «مكافأة الإرهاب»، التي يسمّونها مكافحة.
في أيّ صيدلية تباع أقراص الفهم، حبوب الوعي وحقن الصحو؟ قصة الفراغ لغز على العرب تجرّع عدم حله قسراً، داء عليهم الرضا كرهاً بعدم علاجه. العربيّ يعلم أن الإرهاب كان، ولا يزال، وسيظل يعمل على هدم مقومات الوجود العربيّ، فمن يملك معجزة إقناع النظام العربيّ بالحقيقة التي لا تخفى على صبيّ غرّ؟ كيف تتوهم الأبواب العالية أن الشعوب العربية بمئات ملايينها، ومئات ألوف نخبها، لا وزن لعقولها ووعيها وإدراكها ومشاعرها؟
سخرية قاتلة أن يقال لأهل المريض: يجب البحث عن حل لكارثة شفائه، لأن صحته وسلامته وإبلاله هي الفاجعة. لقد بذلت المخططات جهوداً جبّارة في سبيل هدم المقومات المعنوية: انتشرت الأمية، أُجهضت التنمية، أقيمت الموانع دون البحث العلميّ، هُمّشت الثقافة الفاعلة، حوصر الفكر والفلسفة، انحدرت الفنون، ضُربت القوى الدفاعية، قُطعت جسور الاعتداد بالهوية حتى صار العرب لا يؤمنون بالعالم العربيّ، كل ذلك ليس كافياً، إذ إن الإرهاب أثبت أنه أصغر من أن يحقق آمال «إسرائيل»، التي تريد أن ترى أمامها جثة هامدة أو هباء منثوراً، وجغرافيا لا بشر عليها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافيّة: سيأتي عرب يفكرون في حلّ مشكلة الفراغ الذي سيتركه الاحتلال في الشرق الأوسط.
عبد اللطيف الزبيدي
abuzzabaed@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى