البغدادي.. القاتل والقتيل
بغض النظر عن السجال الروسي- الأمريكي حول مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وسواء قتل فعلاً أم لا يزال على قيد الحياة، فإن مرحلة البغدادي والخلافة التي أعلنها انتهت إلى غير رجعة، بينما يلفظ تنظيمه الإرهابي أنفاسه الأخيرة في الموصل المعقل الأهم والأخير في العراق، كما يترنّح في الرقة قبل أن تدركه سكرات الموت المحتوم في عاصمة هارون الرشيد التي أراد تحويلها إلى مركز لتجميع كل إرهابيي العالم.
قتل البغدادي أو لم يقتل، فوجوده أو عدم وجوده سيان، بعد أن انهارت «دولته» التي نصّب نفسه خليفة عليها عندما اجتاح مساحات واسعة من سوريا والعراق في عام 2014، وبدأ بإصدار «صكوك غفران» يرسل بموجبها من يشاء إلى الجنة أو يبعثهم إلى الجحيم.
منطقياً لم يكن هناك أي أفق أمام «دولة البغدادي»، لأنها كانت ضد الدين والشرائع السماوية، ولأنها كانت تسبح عكس التيار، ولأنها وهذا هو الأهم، قامت على جماجم البشر وتدمير كل شروط ومقومات الحياة المستقبلية، وقطع التواصل مع الماضي والحضارات البشرية المتعاقبة بإعدام كل ما أنتجته من إبداعات إنسانية لتظل شاهداً عليها. آنذاك، لم يكن أحد قادراً على وقف مسلسل جرائم القتل والتدمير للبشر والشجر والحجر، أو محاسبة مرتكبيها.
اليوم نقف على أعتاب مرحلة يمكن اعتبارها مرحلة «تصفية الحساب» مع الإرهاب والإرهابيين، وإذا كان هناك الآلاف من أنصار البغدادي يتساقطون في شوارع الموصل والرقة وغيرهما من ساحات القتال، فإن البغدادي نفسه لم يعد بمنأى عن القتل، وإن كان قتله من عدمه لم يعد يؤثر في سير المعركة ضد الإرهاب، لكن ذلك لن يعفيه من المسؤولية عن كل ضحايا تنظيمه الإرهابي في أي مكان من العالم، فالبغدادي قاتل وقتيل في الوقت نفسه بما سفكه من دماء في المنطقة والعالم، وحتى دماء معظم أنصاره الذين غرّر بهم هي في رقبته، فإن قتل البغدادي كان ذلك جزءاً من الثمن الذي عليه أن يدفعه، وإن لم يقتل فإن الموت بانتظاره على أي حال.
لكن الأهم من ذلك كله هو سقوط الفكرة بحد ذاتها، فكرة «دولة خلافة» دموية على مقاس البغدادي ووفق مفاهيمه، أقيمت بالدم وعاشت ثلاث سنوات بالدم وتنتهي وسط بحر من الدماء. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل تغيرت الظروف التي أنتجت «داعش» والبيئة التي احتضنته، أم أننا سنشهد نسخة من هذه الشاكلة قد تكون أكثر دموية وإرهابا؟
يونس السيد
younis898@yahoo.com