قضايا ودراسات

البقلاوة ابنة بطوطة

عبد اللطيف الزبيدي
أدركتِ القلم محنة المسلسلات. ذكر فتافيت عن المأكولات، ونسي الحلويات. تحدث عن «تتريك» الأطباق العربية، بينما الأهم غزو البقلاوة، الفستقية، الجوزية، اللوزية، الصنوبرية، الكثير من البلدان الشرقية والغربية. قياساً على شدو سيّد مكاوي بأغنية «الأرض بتتكلم عربي»: «الحلويات بتتكلم تركي».
بالرغم من ألوان صراع الشعوب واللغات في سبيل الاستيلاء على ملكية أصل البقلاوة، فإن أدنى إحساس بموسيقى المفردات، يدلنا دلالة قاطعة على أنها كلمة تركية، وبما أنها تعود في أغلب آراء التأصيل اللغويّ التاريخيّ، إلى ما قبل العصر العثمانيّ، فإن جرس اللفظة مغوليّ، ولا يشبه أيّ منطوق في اللغات السامية والهندو- أوروبية واليونانية. تأمّل كيف يلفظها الأتراك بتفخيم الباء والكاف واللام والفاء مثلثة النقط. حين تسمع مغولياً يتحدث (الأفلام كثيرة)، كأنك تسمع جرس التركية ونبراتها. المغول حكموا الصين طويلاً، فلا غرابة في ثراء مطبخهم، فالصين إمبراطوريّة الطبخ في العالم بأسره، ومن دون منازع. كبار طهاة فرنسا يرفعون القبّعة بـ «سمعاً وطاعة».
البقلاوة رحالة، ابنة بطوطة. تجدها في كل أرض دخلها العثمانيون، وفي بلدان شتى لم تطأها أقدامهم وحوافر خيلهم. لكن العجب العجاب هو احتفاظهم بسرّ مذاقها الانحصاريّ. في بعض البلدان العربية خبرات بقلاوية عالية، ولكن «نَفَس» معدّيها الأتراك شيء آخر. خذ مثلاً: في العالم العربيّ مئات ألوف أسياخ الشاورما، وفي بلاد أوروبا الشرقية، غير أن طعم الأصلية استأثر به الأتراك، حتى في الشكل والعرض والتقديم. المسألة واضحة وبسيطة: من ينافس الأجبان الفرنسية؟ في الصين وحدها تعرف عجائب المطبخ الصينيّ.الإيطاليون تلاميذ فاشلون في السباجيتي قياساً على بلاد التنين. «البي. بي. سي» أنتجت مجموعة أفلام وثائقية رائعة تحت عنوان: «طريق السباجيتي»، ترى فيها غرائب الألعاب البهلوانية في إعداد أصناف هذا الطبق أمام الآكلين. مطاعم وملاعب في آن، لذة للناظرين والطاعمين.
لغرض في نفوس العثمانيين، الذين حكموا بلاد المغرب العربيّ قروناً، نشروا صناعة البقلاوة على نطاق واسع، ولم يُدخلوا الشاورما، التي لم يعرفها الشمال الإفريقيّ على الأرجح، إلّا في الحرب الأهلية اللبنانية، التي جعلت أحفاد الكنعانيين (الفينيقيين) يحنّون إلى قرطاج (قُرط حَدَشْت: المدينة الحديثة). السبب مجهول أيضاً في عدم تعليم المغاربيين حشو أوراق العنب، بالرغم من وفرة الكروم. لكن القلم يرى العلة في أن الأرز لم يكن له وجود تقريباً في المطبخ المغاربيّ. كلمة «دولما» التركية تعني المحشوّ، لهذا سميت المحاشي، التي انتشرت في المشرق العربيّ، حيث استخدام الأرز «زيّ الرّز».
لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: من طريف ما يسميه القلم الاشتقاق بالإكراه، إرجاع البعض البقلاوة إلى أنها مشتقة من البقول. بقلاوة فول مثلاً. «ع قلبك».

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى