الترامبية وأستراليا
كريس باتن*
قبل ثلاثين عاماً، قام أحد زملائي في الحكومة البريطانية، الذي كان لديه مسؤوليات وزارية في إفريقيا وآسيا بتعليق خريطة للعالم في مكتبه بشكل مقلوب؛ حيث كان يقول: «إن وضع ما كان يُدعى بالعالم الثالث في القمة يحسن من فهمه لمشاكل ورؤى تلك البلدان؛ ولكن بالنسبة للبريطانيين، فإن الدولة، التي ستصل إليها لو قلبت العالم رأساً على عقب هي أستراليا».
لقد كان يتم تعليم أطفال المدارس بأنه لو تم حفر قناة بشكل مستقيم عبر الكوكب فإنه سينتهي بك المطاف في أستراليا. لقد كانت مواسمهم هي عكس مواسمنا، وأيامهم عكس أيامنا، وهي نقطة تعززت في بريطانيا؛ عندما كنا نستمع، في ساعات الصباح الأولى، إلى تعليقات مباريات «الكريكت» من بريزبين أو أدلايد، وبينما كانت بريطانيا تغط في النوم، كان الأستراليون يلعبون والشمس مشرقة.
أستراليا هي بلد جميل ومزدهر مع وجود مناظر طبيعية خلابة، إلى جانب المدن المتميزة وخاصة سيدني وملبورن. إن أستراليا تتمتع بديمقراطية صاخبة، وتقدير عميق لحكم القانون، إضافة إلى أن المجتمع الأسترالي هو مجتمع حر ومنفتح، كما يعد ملاذاً للمهاجرين واللاجئين من جميع أرجاء العالم، وبينما كانت معاملة أستراليا للسكان الأصليين فيها في الماضي معاملة قاسية، إلا أن أستراليا تمتعت بالشجاعة والنضوج الكافيين للإقرار بالحقائق المرة.
لكن هذا البلد، الذي يثير الإعجاب يواجه حالياً تحدياً وجودياً، وبينما يزداد التوتر في علاقة أستراليا بالولايات المتحدة، فإن الدينامية السياسية فيها أصبحت بشكل متزايد معقدة وخطرة.
لقد تمتعت أستراليا لعشرات السنين بشراكة وثيقة مع الولايات المتحدة؛ لأسباب ليس أقلها الأسباب الأمنية؛ لكن خلال السنة الأولى لتولي الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم لم يقم ترامب بالتشكيك في العلاقات مع العديد من حلفاء أمريكا التقليديين فحسب؛ بل قام كذلك بالعمل بشكل فاعل؛ من أجل تقويض أنظمة التعاون العالمي والإقليمي، التي كانت الولايات المتحدة رأس الحربة فيها، والضامن لها؛ حيث عكس ترامب التقدم الذي حققه أسلافه بشق الأنفس في بناء علاقات وعقد صفقات ثنائية مفيدة بما في ذلك الاتفاقية النووية مع إيران، وصفقة الشراكة عبر المحيط الهادي التجارية، واتفاقية باريس للمناخ.
وعلى النقيض من ندعاءات ترامب بأن سياساته ستجعل «أمريكا عظيمة مجدداً»، فإنه يقوض بشكل كبير دور بلاده في العالم، فحلفاء أمريكا القدامى يأسفون أن الولايات المتحدة وهي بلد كانوا دائماً يكنون له الإعجاب يتم قيادتها حالياً من قبل مشعل حرائق دبلوماسي لا يمكن الوثوق به.
إن هذه أخبار سيئة لأستراليا، التي من الواضح أنها ترغب في بناء شراكة أقوى مع القوى الإقليمية، التي تشاطرها قيمها واهتماماتها الديمقراطية، بما في ذلك الهند واليابان والولايات المتحدة. إن مثل هذا التحالف لا يسعى إلى احتواء الصين؛ بل التحقق من أنها لن تستخدم قوتها بشكل سيئ يؤدي إلى إذكاء التوتر، وانعدام الاستقرار على المستوى الإقليمي.
وبدون ثقل موازن إقليمي يمكن الاعتماد عليه، فإن هذا بالضبط ما يبدو أن الصين متلهفة لعمله. إن الرئيس الصيني تشي جين بينغ مثل ترامب قد عكس الكثير من سياسات أسلافه بما في ذلك بعض إصلاحات السوق، التي طبقها دينغ كيساوبينغ، وبعد أن عمل تشي على وجود عبادة للشخصية تتعلق به على شاكلة ما كان يحدث إبان حكم ماو، أعلن تشي أن الوقت قد حان لجعل الصين عظيمة مجدداً.
تتمتع أستراليا بعلاقات اقتصادية قوية مع الصين، التي تشتري الكثير من معادنها ومنتجاتها الزراعية منها، والصين بدورها تصدر الأموال والناس لأستراليا؛ وذلك من عالم الأعمال إلى القطاع الأكاديمي، والعديد من الصينيين في أستراليا، وبعضهم يعدون أستراليا موطنهم الجديد بمثابة ملاذ من القمع والفساد، وأصبحوا من الأستراليين المتحمسين مع افتخارهم بتراثهم الصيني.
إن تصدي تيرنبل للتدخل الأجنبي في السياسة المحلية، هو محاولة جرئيه لتعزيز وضع أستراليا في الجنوب العالمي. إن من الواضح أن تيرنبل مستعد لأن تكون أستراليا صديقة للصين؛ لكنه غير مستعد لأن يتم التنمر على أستراليا أو التلاعب بها.
من المؤكد أن وجود جبهة موحدة من الدول الديمقراطية سيساعد في توصيل هذه الفكرة، ولكن تصرفات ترامب غير المسؤولة لا تساعد في دعم أستراليا فحسب؛ بل تقوض أيضاً جهود تيرنبل. إن من المؤكد أن أستراليا مثل العديد من الحلفاء التقليديين الآخرين تتطلع قدماً أن يأتي اليوم الذي لا يتمكن فيه ترامب بسياسته القومية الفاشلة والفجة من إلحاق الضرر ببلده والبلدان الأخرى.
*آخر حاكم بريطاني في هونج كونج ومفوض سابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية،
والمقال ينشر بترتيب مع «بروجيكت سنديكت»