قضايا ودراسات

التزايد السكاني في إفريقيا عبء أم فرصة؟

العديد من الحكومات الإفريقية لا تستثمر حالياً بشكل كافٍ في رأس المال البشري (التعليم والتدريب) وتكافح من أجل خلق فرص عمل لقوى عاملة متنامية. وما لم تفعل في المستقبل، فسوف تكون قصة التغير الديمغرافي في إفريقيا، قصة الفرص الضائعة.

سكان إفريقيا هم الأسرع نموّاً في العالم. ومن المتوقع أن يزداد عددهم بنحو 50% على مدى السنوات ال18 القادمة، وينمو من 1.2 مليار نسمة اليوم إلى أكثر من 1.8 مليار عام 2035. وفي واقع الأمر، سوف تمثل إفريقيا ما يقرب من نصف النموّ السكاني في العالم على مدى العقدين القادمين.
وفي حين أن النمو السكاني الإجمالي مهم للآفاق الاجتماعية الاقتصادية للدول، فإن لهيكل الأعمار أهمية حاسمة بالقدر نفسه.
وبحلول عام 2035، سيظل سكان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، هم الأصغر سِنّاً في العالم. وفي الوقت ذاته، سوف تزداد نسبة الأفراد في سن العمل (أي في الأعمار من 15 إلى 64) إلى السكان الذين ليسوا في سن العمل، وتلك أخبار سارّة بالنسبة إلى الاقتصاد.
ويشكل استمرار وجود نسبة كبيرة من الأطفال والبالغين الصغار (في الأعمار من 15 إلى 29) عبئاً ماليّاً، ويترافق مع سلسلة من المخاطر الاجتماعية. فالحكومات تواجه نفقات عامة ضخمة على الرعاية الصحية، والتعليم والخدمات الأساسية. وبالإضافة إلى ذلك، تحتاج إلى الاستثمار في تنمية المهارات لدى البالغين الصغار، وخلق الوظائف لهم عند دخولهم قوة العمل. وعلاوةً على ذلك، ينذر السكان الشبان بزيادة خطر عدم الاستقرار الاجتماعي. وفي السياق الإفريقي، فإن انتشار البطالة وغيرها من أشكال التهميش الاجتماعي- الاقتصادي أو السياسي سوف تضاعف هذا الخطر.
وخلال الانتقال الديمغرافي، تنتقل الدول من ارتفاع معدلات المواليد وارتفاع معدلات الوفيات إلى هيكل سكاني أكبر سِناً، وأكثر استقراراً يتسم بانخفاض أكبر بكثير في الولادة، وارتفاع في متوسط العمر المتوقع. وفي غضون هذه العملية، تزداد نسبة السكان في سن العمل إلى السكان المعالين اقتصادياً (الأطفال والمُسنّين). وهذا العائد الديمغرافي، كما يُسمّى، لديه القدرة على إطلاق النموّ الاقتصادي.
وفي إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بدأت عملية الانتقال الديمغرافي متأخرة. فارتفاع معدلات الخصوبة، المقترن مع ارتفاع معدلات الوفيات، يعني أن بداية العائد الديمغرافي قد تأخرت بالمقارنة مع المناطق الأخرى. ولذلك آثار سلبية في النمو الاقتصادي والتنمية. فمعظم البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لديها عاملون أقل يدعمون نسبة من السكان (الأطفال بالدرجة الأولى) أكبر مما في المناطق النامية الأخرى.
ومع ذلك، ومع تقدم سكان إفريقيا في السن، فإن النسبة بين الأفراد في سن العمل والسكان المعالين اقتصادياً سوف تتغير نحو الأفضل.
والقوة العاملة الأكبر، كنسبة من مجموع السكان، تترجم إلى زيادة في القدرة الإنتاجية ويمكن أن تساعد على تعزيز المدخرات والاستثمار. وحتى على الرغم من أن التوسع الاقتصادي العالمي المستقبلي، سيكون على الأرجح مدفوعاً بالتقدم التكنولوجي، فإن اقتصادات إفريقيا ذات الدخل الأدنى والدخل المتوسط سيظل لديها الكثير مما تكسبه من قوتها العاملة، المستمرة في التوسع على مدى العقود القادمة.
ومع ذلك، فإن معظم الدول في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لم يجرب الربح بعد، وذلك أساساً لأن معدلات الخصوبة لا تزال مرتفعة بإصرار، بينما يستمر متوسط العمر المتوقع في الازدياد.
وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تشهد نيجيريا انخفاض معدل الخصوبة فيها من 5.4 طفل كل امرأة في سنّ الإنجاب في عام 2017، إلى 4.4 عام 2035. وهذا يعني أنها ستشهد تحسناً في النسبة بين السكان في سن العمل، والسكان المسنين والأطفال.
وينطبق الاتجاه ذاته على معظم الاقتصادات ذات الدخل المتوسط الأقل، والدخل المنخفض.
ومن الممكن تسريع التحول الديمغرافي في الاقتصادات ذات الدخل المتوسط المنخفض، والأكثر انخفاضاً، في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لخلق فرص أكبر للنمو الاقتصادي والتنمية. وإذا قامت إفريقيا الوسطى والغربية، المنطقتان اللتان توجد فيهما أعلى معدلات الخصوبة، بخفض هذه المعدلات بشدة، على مدى العقدين القادمين، فيمكن أن تستفيدا من بداية أبكر- وأكبر- للعائد الديمغرافي، وأن تستفيدا منه بالسياسات الصحيحة لتعزيز النمو.
ومن الإجراءات التي يمكن أن تقلل من معدلات الخصوبة تحسين تعليم الإناث الثانوي، وتطبيق مبادرات تنظيم الأسرة، بما في ذلك زيادة توافر وسائل منع الحمل.
ومن منظور عالمي، فإن الإمكانات الديمغرافية لإفريقيا لا نظير لها. ولكن انتزاع العائد الديمغرافي سيكون معركة شاقة في السياق الإفريقي.
وفي كثير من الحالات، يكون النمو السكاني المتطرف في سرعته مهيّأ لمفاقمة الفقر ونقص الفرص الاقتصادية. والعديد من الحكومات الإفريقية لا تستثمر حالياً بشكل كافٍ في رأس المال البشري (التعليم والتدريب) وتكافح من أجل خلق فرص عمل لقوى عاملة متنامية. وما لم تفعل في المستقبل، فسوف تكون قصة التغير الديمغرافي في إفريقيا، قصة الفرص الضائعة.

جوليا بيلو شونيمان*
*باحثة أولى في مركز «مستقبل إفريقيا والابتكار». موقع: «أوُلْ أفريكا»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى