قضايا ودراسات

التصدي الناجح للتطرف

ابن الديرة

إذا تمكنا من حماية أطفال المجتمع من التطرف والجنوح الفكري السوداوي، فإننا نحصنهم ضد الأفكار والأطروحات المتطرفة في كل مراحلهم السنية، وسيشكلون حينها درعاً حقيقياً للوطن، يساهمون في حتمية منجزاته ويحافظون عليها بأيديهم وأسنانهم، ويبنون مستقبله، وبذلك نكون ساعدنا المجتمع كله على أن يكون عدواً للتطرف والإرهاب، وليس تربة موائمة لينمو فيه ويترعرع، فالأطفال هم خط الدفاع الأول والحصن الذي إذا ما أحسنا تشييده نوفر عوامل الأمن والاستقرار.
في مقدمة فئات المجتمع الجديرة بالتحصين ضد تيارات التطرف، ويجب أن تكون لها الأولوية على من عداها، هم الأطفال والشباب اليافعون والمراهقون في المدارس، وبدرجة ثانية شبابنا في مؤسسات التعليم العالي، وإذا نجحنا في درء الخطر عن الصغار واليافعين في مراحل التعليم العام، فإن المجهود المطلوب بذله لحماية الشباب الجامعي وتحصينه وتسليط الأضواء على مسارات مستقبله، يكون بطبيعة الحال أقل كثيراً؛ لأنه يكون قد تأسس على قاعدة صلبة، من الفكر الوسطي المتوازن، الذي يحترم الإنسان وأفكاره ومعتقداته وآراءه من دون تعصب ولا انغلاق أو معاداة لأحد بسبب دينه أو جنسه أو جنسيته.
مواجهة الإرهاب والتطرف الفكري والحقد الأعمى على الآخرين بلا أي مبرر، ولا مبرر له على الإطلاق في القاموس الإنساني، هو عمل وطني وواجب اجتماعي، يجب أن تنهض به كل مكونات المجتمع على تبايناتها وأجنداتها المختلفة، مهنياً وعمرياً، ونشاطاً إنتاجياً وخدمياً، لأنه في أول المطاف ونهايته إرهاب يريد أن يفرض سطوته على الجميع، وأياديه عمياء تضرب حسبما تشاء، من غير اهتمام بالعواقب والنتائج المترتبة على مثل هذا السلوك الهمجي وغير الحضاري والمعادي للإنسانية وتطلعاتها.
معركة البناء والتأسيس في مراحل الطفولة المتعاقبة غاية في الصعوبة؛ لأنه لا توجد ضمانة واحدة لعدم وجود تنوع فكري من أقصى الالتزام إلى التوغل في التطرف والتعصب ومعاداة البشرية، بين العاملين في الميدان التربوي، خاصة أولئك المعلمين الذين ينهضون بتفاصيل عمليتي التربية والتعليم، وعلى اتصال مباشر بالطلبة طوال اليوم الدراسي، والجهاز الإداري المنظم للمجتمع التربوي المدرسي.
وإذا كانت بعض الدول حول العالم تمنع أي انتماء فكري وسياسي لأفراد جهازها التربوي، من أصغر موقع إلى أكبره، حتى لا يتأثر الطلبة بأفكارهم المتنوعة، فإنها تنجح في ذلك؛ لأن المخالفة هنا تقابل بعقوبات قاسية.
تقييم المعلمين يجب ألا يقتصر على الكفاءة المهنية، واختيارهم سنوياً يفترض أن يقوم على عدم انتماء أي منهم سياسياً وفكرياً وتنظيمياً، ويكون ولاء الجميع بداية لله ثم للوطن الذي يعيشون على أرضه وينعمون بخيراته، والإخلاص في تربية أبنائه تربية وطنية خالصة، وأخلاقية إيجابية.
تحصين جبهتنا الداخلية وتمكينها من أن تكون عصية على الاختراق، مهمة ضرورية لكنها ليست يسيرة على الإطلاق، وتتطلب جهوداً وتضحيات ضخمة، لكن الحصاد سيكون أيضاً وفيراً.
ebn-aldeera@alkhaleej.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى