التغير المناخي يضرب أفقر الفقراء
فكيتا أوتواكامانو*
قبل سنتين، اجتمعت 197 دولة، وهيئة دولية، واتفقت على «إطار باريس» التاريخي حول المناخ، في ديسمبر/كانون الأول 2015.
ومنذ ذلك الحين، شهدنا جميعاً، صوراً ومشاهد لا تعد ولا تحصى لفيضانات مدمرة ومهلكة، وحرائق غابات جامحة، وأعاصير تتزايد أعدادها عبر كرتنا الأرضية. والأكثر فقراً بيننا هم الأكثر تأثراً بهذا التغير المناخي.
وهذه المشاهد قد تكون بعيدة عن حياتنا عندما نشاهدها في بيوتنا الآمنة على شاشات التلفزيون، وهي قد تمر بسرعة خلال نشرات الأخبار المسائية. وهي قد تثير مناقشات عائلية، أو تثير قلقاً لدى آخرين، ولكن أي من هذه الصور لا يمكنها أن تعبر بشكل كامل عن الخراب الذي حل بعائلات، ومعاناة الأطفال الذين باتوا يتامى، واليأس الذي أحبط شباناً لم يعودوا يرون مستقبلاً، وكبار السن المحطمين الذين لم يعد لديهم أي أمل.
وخلال المؤتمر الدولي حول متابعة اتفاق باريس حول المناخ، الذي عقد في بون في النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، سيطرت كلمتان على تفكيري. الأولى هي كلمة «تالانوا» من ثقافتي في جزر المحيط الهادي، وتعني الحوار، والثانية كانت الضرورة العاجلة. وبالنسبة إلي، لم يكن المؤتمر مجرد اجتماع آخر، أو رحلة أخرى، أو سلسلة محادثات أخرى.
لقد نشأت وعائلتي كسكان جزيرة. وأنا أدرك تماماً ما يعنيه تعبيرا «تالانوا» والضرورة العاجلة. وقد شاركت في أعمال مؤتمر بون بصفتي ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة لدى الدول الـ91 الأكثر فقراً، والأكثر عرضة لأخطار التغير المناخي، والتي تضم أكثر من مليار إنسان. وأكثر ما ركزت عليه هو ضرورة القيام بعمل عاجل من أجل حماية الدول والسكان الأكثر عرضة للأخطار.
وهذه الدول الـ91 موزعة عبر الكرة الأرضية، وكل منها يواجه تحدياته الخاصة. ولكن جميع هذه البلدان لديها قاسم مشترك: إنها الأقل تسبباً بالتغير المناخي، ولكنها الأكثر تضرراً من هذا التغير. وتشمل هذه الدول جزراً صغيرة نائية، وبلداناً محاطة باليابسة، وبلدانا تقع في صحارى إفريقيا. وهذه البلدان وشعوبها، هي الأكثر حاجة إلى قيام المجتمع الدولي بعمل عاجل لمواجهة عواقب التغير المناخي.
فهل يمكننا حقاً أن نتجاهل الأكثر فقراً، والأكثر عرضة للأخطار في كوكبنا، وهم الذين أخذوا يعانون أكثر فأكثر، تأثيرات التغير المناخي؟ هل نحن مستعدون لتجاهلهم؟
لا بد من التنبيه إلى أن العديد من تأثيرات التغير المناخي في حياة البشر ليست جلية للعيان، كما قد يبدو في الظاهر. نعم، أحداث الطقس القصوى تتصدر عناوين وسائل الإعلام. ولكن هناك تأثيرات تتفاعل ببطء، مثل ارتفاع مستوى البحار، الذي يهدد الجزر- الدول، وانحسار الجليد عبر الكرة الأرضية، وتمدد التصحر، وتضرر التنوع الحيوي. وهذه كلها أحداث بطيئة، ولكنها تؤثر في حياة ومعيشة مجتمعات بأكملها.
والدولة – الجزيرة فيجي هي التي ترأست مؤتمر بون – وهذه أول مرة تترأس دولة – جزيرة مؤتمراً للأمم المتحدة حول المناخ. ورئاسة فيجي ليست رمزية فحسب، بل هي تمثل أيضاً منعطفاً يضع الدول – الجزر النامية في مقدمة مسرح أحداث عالمية.
والدول – الجزر هي الآن أكثر من يضغط من أجل القيام بعمل عالمي فعال في التعامل مع أزمة التغير المناخي. وهناك سبب وجودي بسيط لذلك: البلدان – الجزر تعي تماماً الفرق بين احترار مناخي بمقدار 1،5 درجة مئوية (كما هي الحال الآن )، ودرجتين مئويتين (كما يتوقع في مستقبل قريب). فهذه البلدان – الجزر مهددة بالغرق نتيجة لارتفاع مستوى البحار، وبالتالي بتشرد شعوبها.
غير أن تنفيذ تعهدات الدول بموجب اتفاق باريس حول المناخ ليس على مستوى التوقعات. وهذا أمر ينذر بخطر كبير. إذ إن العالم يقترب من احترار مناخي يصل الى درجتين مئويتين، وهذا يمكن أن يتحقق في وقت قريب: عشرينات القرن الحالي.
وإذا استمررنا في تعاملنا الحالي البطيء مع الاحترار المناخي، فإننا سنواجه وضعاً في غاية الخطورة. وأفقر فقراء عالمنا هم الذين سيكونون الأكثر تأثراً، وتعرضاً للأخطار.
*من أرخبيل تونجا في المحيط الهادي، الممثلة السامية للأمم المتحدة لدى البلدان الأقل نمواً – موقع وكالة «إنتر برس سرفيس»