قضايا ودراسات

التلاعب بمعجم الإرهاب

خيري منصور
أفضل أسلوب لتمييع أي قضية وتعويم المصطلحات التي تعبر عنها هو التلاعب بمترادفات اللغة، بحيث تصبح الحقيقة متعددة ونسبية، والمجال متاح لكل من يريد توظيفها لأهدافه.
وحين نفحص منظومة من المصطلحات المتداولة حول الإرهاب نجد أنها تراوح بين المتشددين والمتطرفين والغلاة والراديكاليين، إضافة إلى الجهاديين، والخطورة في تعدد هذه المصطلحات تكمن في إخضاع القضية موضوع البحث للنوايا.
فالمتشدد قد يتخذ مثل هذا الموقف إزاء قضايا وطنية خالصة، أو لسبب أخلاقي يخصه أو يخص ذوي القربى الذين يعنيه أمرهم ومصيرهم.
والحقيقة أن مصطلحاً واحداً، هو الأدق في التعبير عن كل ما يجري الآن من ممارسات ضد الإنسانية وبعكس مجرى التاريخ، وهو مصطلح الإرهاب، لأنه مباشر ولا يتيح للنوايا أن تتدخل من أجل التهوين والتهويل والتصغير والتكبير.
وربما لهذا السبب تهربت عدة أطراف إقليمية ودولية من تسمية الظاهرة باسمها الصريح، وسادت عبارات من طراز «ما يسمى الإرهاب» وكأنه شيء آخر تماماً، ولا يخدم التلاعب بهذا المعجم من المصطلحات غير الإرهاب ذاته، لأنه يستخدم أقنعة وذرائع من أجل التضليل، فهو يسيء إلى الأديان بحجة الانتصار لها والدفاع عنها، ويسيء إلى الأوطان بذريعة العمل على استقلالها وتحريرها.
وحكاية التلاعب بالأسماء والصفات قديمة وليست طارئة، فمن أبادوا سلالات بشرية أطلقوا على جرائمهم اسما آخر، ومن احترف العدوان أطلق على ممارساته اسم الدفاع المبكر أو الاستباقي، وهناك أيضاً من أساؤوا إلى تاريخهم وألحقوا ضرراً بالغاً بالوجدان الوطني تحت شعار النقد الذاتي، رغم أن هذا النقد يفقد مبرره وجدواه معاً عندما يتحول إلى «سوشية» وتلذذ بهجاء الذات وتقريعها!
وبهذا المعنى أيضاً تطلق سلطات الاحتلال اسم الاستقلال على جرائمها الاستيطانية كي لا تسمي ما اقترفته باسمه الصريح وهو الاحتلال لا الاستقلال!
إن التلاعب بمعجم المصطلحات خصوصاً في السياسة من شأنه أن يشوش الوعي ويخلط حابل الحقيقة بنابل الكذب.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى