قضايا ودراسات

التلوث الفضائي

خيري منصور

ما يقال عن فساد البيئة، وانتهاك الطبيعة والإخلال بتوازنها يبقى في نطاق الفيزياء، لكن هناك فساداً آخر وانتهاكاً أشد فتكاً وإخلالاً بالتوازن الأخلاقي والنفسي هو ما يفرزه الفضاء عبر بعض القنوات من مضادات ثقافية، وترويج للخرافة والتلاعب بأبسط البديهيات العلمية.
ورغم وفرة الأقلام التي تتناول هذه الظاهرة بالنقد والشجب إلا أن هذا الكلام يذهب مع الريح، لأنه ما من ترجمة عملية وميدانية له.
ويبدو أن هذا التلوث الفضائي الميديائي لا العضوي أصبح يتغذى من كل ما يوجه إليه من هجاء ونقد، بل أصيب بحالة من اللااكتراث بلغت حد التمسحة!
فهو أيضاً له دموعه الكاذبة التي يقترحها السيناريست في بعض المناسبات!
ومواصلة التحريض وبث الكراهية وفيروسات الانتقام لا تتوقف على مدار الساعة ما يتطلب مواقف جذرية وحاسمة لوضع حد لهذا النزيف.
ولو اخترنا عينات مما يبث من بعض القنوات فإن من لم يشاهدها مصادفة أو يحصدها لأسباب بحثية لن يصدق، لأن الاستخفاف بالعلم بلغ ذروته وكذلك بالتاريخ والأديان ومجمل العقائد. وخطورة الظاهرة تمتد إلى جيل ناشئ قد يورطه ويغويه فقهاء الليل كي يدمن مشاهدتها بحيث تشكل وعيه وثقافته وتقيم فاصلاً بينه وبين كل مصادر المعرفة الأصيلة.
ولأن الوصفات الأخلاقية المقترحة للحد من هذه المتوالية بقيت في نطاق الوعظ المجرد، فإن اللجوء إلى مواقف أكثر جدية يصبح مطلباً قانونياً وأخلاقياً، لأن تغذية العنف على هذا النحو من شأنها أن تجهز على ما تبقى من مناعة، خصوصاً في زمن انصرف فيه الناس إلى حد كبير عن القراءة وأتى المرئي والمسموع على حصة المقروء.
وقبل أن تمتد عدوى التلوث إلى الفضاء ومجراته الإعلامية والإعلانية كان بمقدور البشر أن يلجأوا إلى الوقاية المبكرة، وما يحول دون تقديم عينات من هذا التلوث الحرص على ذائقة المتبقي والالتزام بحد ولو أدنى من اللياقة.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى