قضايا ودراسات

الثورات ومسارات الإخفاق

صادق ناشر
لم تكن الأحداث التي شهدها عدد من الدول العربية خلال الأعوام السبعة الأخيرة، بدءاً بما عرف ب«ثورة الياسمين» في تونس أواخر 2010، مروراً بمصر، واليمن، وليبيا، وانتهاء بسوريا في الأشهر الأولى من العام اللاحق، والتي أسميت مجازاً «ثورات الربيع العربي»، سوى رغبة جامحة لدى هذه الشعوب في التغيير نحو الأفضل.
هناك خيط رفيع بين الاحتجاجات والفوضى، وبين الرغبات في الإصلاح التي اجتاحت الشعوب العربية وتاقت إليها، فكل البلاد العربية، باستثناء ليبيا، كانت تعيش حالات فقر، وأزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة، وإن تفاوتت من دولة إلى أخرى، إلا أنها اشتركت جميعها في هم واحد، وهو الرغبة في التغيير والإصلاح، فكانت الأوضاع في هذه البلدان قد وصلت إلى حالة من الانسداد، يصعب معها سياسة الترقيع، نتيجة تسيّد الحاكم وانفراده بالسلطة، فمعظم الدول التي عاشت فترات الاحتجاجات والفوضى لاحقاً، كان زعماؤها ينافسون بعضهم بعضاً من أجل الحصول على عمادة الزعامات العربية.
من القذافي، مروراً بمحمد حسني مبارك، وزين العابدين بن علي، وعلي عبدالله صالح، وانتهاء ببشار الأسد، كانوا أطالوا البقاء في السلطة لفترات بعضها زادت على الأربعين عاماً في حالة القذافي، والبعض زاد على الثلاثين، كما هو حال علي صالح، والبعض كان يقترب من الثلاثين، مثل مبارك وزين العابدين، أما بشار الأسد فقد كان يستعد للبقاء مدى الحياة، كما حال والده حافظ الأسد، الذي لم يفارق كرسي السلطة إلا إلى القبر.
بين الرغبة في التغيير والفوضى التي دخلت فيها البلدان العربية، حصلت فجوة عميقة، فقد استغلت بعض القوى التقليدية اندفاع الشارع العربي ورغبته الجامحة في التغيير نحو الأفضل، وركبت موجة المطالب التي رفعها الناس، وحرفتها عن مسارها.
استغلت هذه القوى افتقار الناس إلى حراك مدني، سلمي، وحقيقي، فقد كان الكبت الذي كرسته الأنظمة طوال حكمها، سبباً في عدم قدرة الشعوب على طرد القوى الطارئة التي استغلت الاحتجاجات، ووظفتها لمصلحتها، فكل المجتمعات التي شهدت الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية، لم تكن تمتلك رؤية كاملة الأبعاد للوضع الذي تعيشه، كما أن القوى التي ركبت موجة الاحتجاجات لم يكن لديها من برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح، إلا برنامجاً وحيداً، يتمثل في الوصول إلى السلطة، وإحلال نفسها بديلاً عن الأنظمة التي بدأت بالتساقط واحداً تلو الآخر.
من هنا فشلت الشعوب في تحقيق تطلعاتها بإحداث التغيير الذي كانت تحتاج إليه، فالبلدان التي كانت تعيش بؤساً اقتصادياً، وأزمات متلاحقة، كانت تتطلع لمستقبل أفضل، مصر وسوريا واليمن نموذجاً، فيما البلدان التي كانت تعيش وضعاً اقتصادياً مريحاً، كانت تنشد الحرية التي حرمت منها طوال سنوات الحكم فيها، وبخاصة ليبيا.
لهذا كله فشلت الثورات في الوصول إلى هدفها، وحدثت تحركات ارتدادية معاكسة من قبل الأنظمة التي أرادت التأكيد على أن سطوتها لم تنته بعد، وأنها لا تزال قادرة على إشعال الحرائق إذا ما تم تجريدها من الحكم، وهو ما تجسد، ويتجسد عملياً اليوم في أكثر من بلد.

Sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى