مقالات عامة

الحاجة إلى عرض سوري شجاع

حسام ميرو

منذ اندلاع ما يسمى «الربيع السوري» في مثل هذا الشهر من عام 2011، بدأت حالة انقسام في الرأي العام السوري، وبعيداً عن الخوض في أسبابها وتحليلها، إلا أنها كشفت عن مدى التباين بين مصالح السوريين، في ظل إرث كبير من غياب العمل السياسي، وتحكّم السلطة السياسية في المنابر الإعلامية الوطنية، فضلاً عن عموم الحياة العامة في سوريا، ونتيجة لتطورات الصراع، ودخول القوى الإقليمية والدولية على خطه، فقد وصل الوطن السوري إلى حالة تمزّق لم يعرفها في تاريخه المعاصر، ودفع السوريون تكلفة هائلة لانسداد الأفق التاريخي.
لقد أصبحت الكارثة السورية مكشوفة بالأرقام الدالة على الصعد كافة، كما أصبح واضحاً أن المجتمع الدولي لا يرى المسألة السورية بدلالة بُعدها الكارثي الإنساني، وإنما بدلالة مصالح القوى المتصارعة فيه، وقد أصبحت مناشدة المجتمع الدولي لوقف المأساة بلا معنى، وبالتالي فإن التعويل على حل دولي يفرض نفسه على القوى المتصارعة، هو من قبيل الأمنيات لا أكثر، فروسيا وأمريكا منخرطتان في هذا الصراع، ولهما مصالح استراتيجية فيه، بعيدة كل البعد عما يطمح إليه السوريون، ومن الواضح أن التوافق فيما بين موسكو وواشنطن ما يزال بعيداً.
ما لم يمنحه صنّاع القرار على ضفتي النظام والمعارضة، أي اهتمام، هو أن طول زمن الصراع جعلهما في حالة تبعية لقوى الخارج، فقد استنزف النظام نفسه عبر المعارك العسكرية، وأودى بسمعة مؤسسة الجيش، بوصفها ضمانة الوطن، وضامنة الاستقرار الداخلي والخارجي، ونتيجة لحالة الاستنزاف البشري فقد اضطر للاستعانة بقوات أجنبية من إيران وروسيا، إضافة إلى فصائل مسلحة خارجية، حتى وصل الحال إلى رهن قراره السيادي بموسكو وطهران، وأصبح الطرف الأضعف في تحالفاته.
المعارضة السورية رفعت بعد وقت قصير من الاحتجاجات السلمية شعار «إسقاط النظام»، من دون وجود حوامل محلية كافية لتحقيق هذا الشعار، معتمدة على تحليل سطحي لما جرى في تونس ومصر وليبيا، وراهنت على البعد الإقليمي والدولي كرافعة لتحقيق شعارها، من دون أية حسابات استراتيجية، أو وضع سيناريوهات عديدة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في حالة المجابهة المباشرة مع النظام، واكتفت بتبنّي سيناريو وحيد، يقوم على وعي رغبوي باللحظة التاريخية، وقراءة قاصرة لممكنات المجتمع السوري.
ومنذ بيان جنيف 1 في 30 يونيو/حزيران 2012، أصبح واضحاً أن الصراع السوري هو صراع صفري، فالنظام لا يريد أن يقدم للمعارضة أي رؤية للحل، تمنحها مكتسبات سياسية حقيقية، بحيث تبدأ دورة جديدة في الحياة السياسية السورية تقوم على المشاركة، وفتح الآفاق نحو دمقرطة الحياة العامة، مع استعداده لتدويل الصراع، معتمداً على حليفه الروسي في مجلس الأمن الدولي، وكأن الحليف الروسي هو جمعية خيرية، لا مآرب اقتصادية وسياسية استراتيجية لها.
المعارضة السياسية تبنّت مقولة «الحكم الانتقالي» بشكل نهائي وحاسم، وهي من حيث النتيجة تعني أن يسلّم لها النظام مقاليد الحكم، ومن ثمّ تقوده صاغراً إلى محاكم وطنية أو دولية، من شأنها أن تزّج برموزه وراء القضبان إلى أبد الدهر، وتنم هذه الرؤية عن قصور في وعي المعارضة لماهية الصراع، وعدم معرفة دقيقة بالنظام، أو بطبيعة الصراع على سوريا، والأهمية الجيوسياسية للوطن السوري، أو بالتحولات التي شهدتها المنطقة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وما نجم عنه من صراعات إقليمية وصعود للإرهاب بأشكاله كافة، كجزء لا يتجزأ من إدارة الصراع بين مختلف القوى، وقد ذاق السوريون خلال السنوات السابقة، مرارات الاستثمار الإقليمي والدولي في صناعة الإرهاب.
ما يحتاجه السوريون اليوم ليس مناشدة المجتمع الدولي، أو التعويل على القوى الخارجية، فهي لم تعد ترى في السوريين سوى أدوات لتحقيق مصالحها، بل إلى عرض سوري وطني شجاع، سيلقى بالطبع هجوماً واسعاً من نخب سياسية سورية في النظام والمعارضة لا تريد للصراع أن ينتهي، فهو يؤمن لها دوام مصالحها الخاصة.
قد لا تكون هناك وصفة جاهزة لهذا العرض الشجاع، ويجب ألاَّ تكون هناك وصفة جاهزة، بل مقدمات أساسية لبلورة هذا العرض، تنطلق تلك المقدمات من حاجة السوريين أنفسهم إلى رؤية حل لمأساتهم، ومن وعي عميق بأهمية استعادة الوطنية السورية الجامعة، بعيداً عن الاحتقانات الدينية والمذهبية والمناطقية، ومن ضرورة تقديم الأطراف كافة للتنازلات الضرورية، وإعطاء مؤشرات على المصداقية، وقبل كل ذلك وجود ما يكفي من الشجاعة لمواجهة السوريين بضرورة وقف الكارثة، وبدء مرحلة جديدة يستطيع فيها السوريون التقاط أنفاسهم، ولملمة جراحهم، وبناء معايير جديدة للثقة المتبادلة فيما بينهم.

husammiro@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى