قضايا ودراسات

الحرب الباردة لم تنته

فينيان كانينجهام
عندما توفي المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول (في 16 يونيو/ حزيران 2017)، تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلهجة عاطفية عن رجل الدولة العظيم وجهوده الجبارة من أجل تحقيق وفاق بين أوروبا وروسيا.
قال بوتين إنه يتفق مع رأي الزعيم الألماني الراحل، بأن الحرب الباردة بين الشرق والغرب قد انتهت إلى حد كبير. ولكن الرئيس الروسي أضاف أن العلاقات الدولية محكومة بالتأرجح مثل رقاص ساعة، بحيث إنها تتقلب بين جيدة وسيئة. وأضاف في لقاء مع صحفيين: «رقاص الساعة عاد وتحرّك الآن نحو علاقات دولية سيئة، ولكنني مقتنع بأنه سيجد حتماً التوازن الصحيح وسوف نوحّد جهودنا من أجل مواجهة تحديات اليوم».
هذا التعليق ليس متحذلقاً بأي حال، ولكنّ هناك أسباباً مهمة تبين أن المقارنة برقاص الساعة خاطئة. إذ إن نموذج العلاقات الذي تحدث عنه بوتين يستند إلى الافتراض الخاطئ بأن ديناميكية العلاقات الدولية يمكن أن تتحوّل من سيئة إلى جيدة، والعكس بالعكس.
وإذا اعتبرنا أن الحرب الباردة بلغت ذروتها في الفترة من الخمسينات وحتى نهاية الثمانينات، حين كان شبح الحرب النووية يخيّم على العالم بصورة دائمة، فعندئذ إذا أخذنا بالمقارنة مع رقاص الساعة، فإن المرء سيتوقع أن تكون هناك مرحلة تاريخية تصبح فيها العلاقات الدولية قائمة على تعايش سلمي. ولكن للأسف، أثبت التاريخ المعاصر أنه بعد مضي أكثر من 25 سنة على النهاية المفترضة للحرب الباردة، فإن العلاقات بين الغرب وروسيا لم تتحوّل باتجاه أي تحسن حقيقي. وفي الواقع، يبدو واضحاً الآن أن العلاقات بين الغرب وروسيا على مدى السنوات الخمس الأخيرة، تدهورت إلى مستوى من العداء يقارن بذروة الحرب الباردة.
وما يبين هذه الحالة السيئة للعلاقات هو مواصلة فرض عقوبات اقتصادية جديدة على روسيا من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين منذ أن تفجرت الأزمة الأوكرانية في أوائل 2014. كما أن حشد قوات عسكرية أطلسية بقيادة أمريكية على حدود روسيا يستمر بلا توقف. وكمثال بارز على هذا التدهور، قامت طائرة حربية تابعة لحلف الأطلسي في منتصف يونيو/ حزيران بحركة استفزازية جداً عندما اقتربت إلى مسافة خطرة من طائرة كانت تقل وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أثناء عبورها المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق.
وفي منتصف يونيو/ حزيران أيضاً، بثت شبكات التلفزة مشاهد من لقاء الرئيس الروسي مع المخرج والمنتج السينمائي الأمريكي أوليفر ستون، الذي أعرب خلاله بوتين عن تأسفه لوجود إمكانية حرب نووية في الوقت الراهن، قائلاً إن أحداً في العالم لن ينجو من مثل هذه الكارثة. وهذا التحذير الرهيب يظهر أن بوتين اضطر للاعتراف بأن التدهور الحالي في العلاقات بين الغرب وروسيا ينذر بشؤم.
وفي حديثه، أشار الرئيس الروسي أيضاً، وكان مصيباً في ذلك، إلى أن حلف الأطلسي يحتاج دائماً إلى البحث عن عدوّ من أجل تبرير وجوده. وفي الواقع، هذا الحلف العسكري مجهز من أجل الحرب منذ نشأته في 1949، برغم الادعاءات بأن مهمته هي حماية أمن دول منطقة الأطلسي. إذاً، دعونا لا نقع في الوهم. إذ يبدو في الظاهر أن مسألة ما إذا كانت الحرب الباردة قد انتهت أم لا بحدود العام 1990 قد حسمت. ولكنها في الحقيقة لم تحسم. إذ إن تلك الحرب لا تزال مستمرة – ولو أنها توصف بلغات إيديولوجية مختلفة وبتعابير دعائية مختلفة.
اليوم، لم نعد نسمع عن نزعة توسعية سوفييتية شيوعية مزعومة، ولكننا نسمع اتهامات لروسيا بأنها «تقوّض النظام العالمي الليبرالي»، و«تتدخل في انتخابات ديمقراطية غربية». وتتردد أيضاً مزاعم بأن روسيا تهدد أمن دول البلطيق.
وهذا لا يعني أننا نستطيع أن ننكر القناعات والمشاعر الصادقة للعديد من السياسيين الغربيين والروس الذين يدعون إلى وفاق وتعاون دوليين. وليس هناك من شك في أن المستشار الراحل هيلموت كول كان يؤمن برؤية مصالحة ووفاق بين الغرب والشرق.
ولكن السؤال هو: لماذا لم تتحقق هذه التطلعات الحصيفة؟
هذا يطرح للنقاش طبيعة القيادة الأمريكية بين الدول الغربية. فالولايات المتحدة تسعى إلى الهيمنة والاحتفاظ بما تتصوره عالم قطب واحد. وبروز قوى عالمية أخرى – مهما يكن هذا البروز مشروعاً – يعتبر تهديداً للهيمنة الأمريكية وللاقتصاد الرأسمالي العالمي الذي تشكل مصالح الولايات المتحدة قاعدته الأكثر أهمية.

* صحفي وكاتب بريطاني يكتب حول الشؤون الدولية –
موقع «استراتيجيك كلتشر»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى