قضايا ودراسات

الحرب على الفساد في تونس

كمال بالهادي

يوم تقدّم، لنيل الثقة في مجلس نواب الشعب، تعهّد رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد بشن حرب على الفساد، وتحدث بلغة واضحة وصريحة، عن أن مكان الفاسدين هو السجن، ولكنّ خطاب الحزم، فتر بعد ذلك، وفي آخر ظهور إعلامي له، قال الشاهد إن القضاء هو من يزجّ بالفاسدين في السجن، ولكن وفي خطوة فاجأت الجميع، تم إلقاء القبض على عدد من رجال الأعمال الذين تحوم حولهم شبهات فساد، وذلك بأمر مباشر من رئيس الحكومة، وتطبيقاً لقانون الطوارئ.
بكلمات مقتضبة قال الشاهد، إنّه لا خيار لديه، فإما تونس أو الفساد، وهو اختار تونس واختار الدولة. كلمات قليلة لكنّها عميقة بالنظر إلى ما تلاها من خطوات جريئة لم تقدم عليها أي من الحكومات السابقة. الحرب على الفساد، لا تكمن في مجرد إيقاف مجموعة من الشخصيات التي تحوم حولها شبهات فساد أو التي تورطت فعلاً فيه. ولكنّها حرب شاملة على منظومة تشريعية وقانونية، وعلى عصابات منظمة، تخترق أجهزة الدولة وتوظفها لتحقيق الإثراء غير المشروع. هذه المنظومة، التي لها أذرع متعددة وارتباطات إقليمية ودولية، ولها نفوذ في أوساط هي قادرة على تحريكها لإشعال الفوضى الاجتماعية، يمكن وصفها بأخطبوط سامّ قادر على إيذاء الدولة والمجتمع، عندما تتضرر مصالحه.
لفهم الأسباب العميقة لهذا التحرّك، لا بدّ من العودة إلى جملة من التقارير المتتالية التي صدرت عن هيئات دولية والتي تتفق في أن الفساد استشرى في تونس وتغوّل إلى درجة أن الدولة باتت رهينة لدى الفاسدين. آخر التقارير التي صدرت في هذا المجال، كانت من مجموعة الأزمات الدولية التي أصدرت تقريراً بعنوان: «الانتقال المعطل»، وبينت فيه الأسباب العميقة لتعطل مسيرة الانتقال الديمقراطي في تونس، وعلى رأس هذه الأسباب نجد ملف الفساد. فقد لخّص التقريرُ، العوامل المعطّلة في انتشار الفساد والزبونية والجهوية، وهي مفاهيم، يمكن أن تجهض التجربة الانتقالية في تونس.
وأشار التقرير إلى وجود 300 شخصية وقعت تسميتهم ب«رجال الظل»، يسعون إلى التحكم في أجهزة الدولة وتوظيفها لمصالحهم الشخصية، بل إن نفوذ هؤلاء الذين يتحكمون بما يعرف بالدولة العميقة، بلغ حتى مجلس نواب الشعب، إذا باتوا يتحكمون في النواب ويشترونهم من أجل تمرير قوانين تخدم مصالحهم الذاتية. ولنأخذ على سبيل المثال قانون الطوارئ الاقتصادية المعطل، الذي قال عنه المنجي الرحوي رئيس لجنة المالية بمجلس النواب، إن القانون تعطل بعد أن اتضح أن جماعة «بسم الله» يريدون تغييره ليخدم مصالحهم الخاصة، وليست المصلحة العامة. تقارير البنك الدولي ومنظمة الشفافية الدولية، تثبت أيضاً حجم الفساد المستشري في تونس والذي بات يلهف نصف قيمة الاقتصاد التونسي، ويحوّل عصب الاقتصاد من الدولة إلى مافيات التهريب. فقد سبق لمنظمة الشفافية الدولية أن وضعت تونس في المرتبة 76، في سنة 2015، معتبرة أن مؤشرات الفساد ارتفعت في تونس بعد الثورة. أما البنك الدولي فقد اعتبر التهريب والفساد الإداري يضرّان بشكل واضح بمقومات الاقتصاد التونسي. وتحت عنوان «الثورة غير المكتملة» أصدر البنك الدولي تقريراً قال فيه: «تمثل تونس مفارقة اقتصادية. فهي تمتلك كافة المقومات اللازمة لكي تصبح «نمر المتوسط». لكن هذه الإمكانات الاقتصادية لا يبدو أنها مستغَلة. فعلى النقيض من ذلك، يعاني الاقتصاد التونسي من عدم كفاية معدل خلق فرص العمل وضعف أداء الصادرات واستشراء الفساد». من جانبها أصدرت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بلاغاً يوم الثلاثاء الماضي، أي يوم بداية الإطاحة برؤوس الفساد، قالت فيه إنه تمت إحالة من 169 ملفاً إلى الجهات الأمنية والقضائية لمتابعتها.
رئيس الحكومة التونسية، بهذه الخطوة التي لاقت ترحيباً واسعاً من الشعب، يضع نفسه وفريقه الحكومي، أمام اختبار صعب وحقيقي، وهو أمام لحظة تاريخية تحتم عليه الانتصار للوطن وللشعب، وإذا ما تعهد بمواصلة الحرب على الفساد، فإنه سيجد دعماً شعبياً واسعاً، خاصّة أن تصريحات رموز المعارضة، تذهب في اتجاه مساندة الخطوة، وهناك مطالبة بالمضي قدماً في محاربة الفساد. يوسف الشاهد هو الآن أمام جملة من التحديات يمكن إيجازها في النقاط التالية:
– الحرب على مافيا الفساد، التي تنخر جسم الدولة، يجب أن تتواصل، ويجب أن تطيح بكل الرؤوس التي استثرت على حساب الدولة. وهنا لا يجب أن تكون هناك عملية انتقائية في ضرب رؤوس الفساد. بل المطلوب هو السير في هذه الحرب الطويلة وعدم خذلان الشعب.
– أحزاب المعارضة الوطنية، عليها أن تساند الشاهد في تحركاته، وتقف إلى جانبه وقوفاً صريحاً، وأن تقدم له كل الدعم حتى يستطيع المضي قدماً في حربه على الفاسدين التي تمثل، مطلباً رئيسياً من مطالب المعارضة.
– مافيا الفساد ستسعى بكل قوتها إلى ضرب الاستقرار وإلى ردّ الفعل، إذا ما أحست بأن الخطر يداهمها، وهي ستحرك أذرعها المختلفة للنيل من الاستقرار بكل الأشكال المتاحة لديها، هذا إذا تمسكت الحكومة بالمضي في حرب شاملة على الفساد. وهنا ستكون الوحدة الوطنية الحقيقية، في اختبار رص الصفوف أمام مواجهة غول الفساد.
– الحكومة الحالية، إما ستكون حكومة تاريخية، ستترك بصمتها في تغيير موازين القوى، وإما أنها ستضعف وتتراجع، وذلك سيجعلها تخرج من الباب الصغير. ولا نظن أن رئيس الحكومة سيغامر بمستقبله السياسي، فهو يصرّ على ضرورة الانتصار لتونس، دون غيرها، وهو يصرّ أيضاً على تحدي مافيات الفساد، وعلى إحداث التغيير الذي ينتظره التونسيون.

belhedi18@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى