قضايا ودراسات

الحرم المكي المحفوظ

مفتاح شعيب
حفظت العناية الإلهية، ثم اليقظة الأمنية السعودية، المسجد الحرام من اعتداء إرهابي سافر، كان سيسجل سابقة للجماعات المتطرفة بحق أقدس بقعة في الأرض، وفي ليلة مباركة يتجمع فيها أكثر من مليونين من المسلمين لختم القرآن في آخر ليلة من شهر رمضان المعظم.
لم تكن العملية بريئة، وكانت مقصودة في المكان والتوقيت، ويبدو أن لها صلة وثيقة بالاعتداء الآثم الذي كاد يصيب الحرم النبوي في المدينة المنورة، في نفس الليلة من رمضان العام الماضي. والرابط بين الحدثين في الحرمين وفي العامين تباعاً، هو أن هذه الجماعات المتطرفة ومن يديرها تعمدت ارتكاب هذه الأعمال الدنيئة لترويع الآمنين في كنف الحرمين الشريفين، ولإفساد فرحة المسلمين بمناجاة ربهم في هذه الأيام المباركة، وقد خاب الإرهابيون مرة أخرى، فمثلما حدث في المسجد النبوي قبل عام، ثبث المؤمنون في المسجد الحرام هذا العام أيضاً، وأتموا الصلوات وختموا القرآن في أجواء روحانية مفعمة بالسكينة والهدوء والاطمئنان، في بلد جعله الله آمناً، وعصياً على كل الإرهابيين والطغاة، بدءاً من أبرهة الأشرم، قبل الإسلام، وحتى آخر إمعة في هذا الزمن قد يفكر في التطاول على تلك البقاع المقدسة.
مثلما حدث مع محاولة استهداف الحرم النبوي، كانت ردود الفعل العربية والإسلامية في ذروة التنديد والغضب، فقد استقر لدى الجميع أن الحرمين الشريفين أصبحا هدفين للإرهاب، وهو أقصى ما قد يتصوره عاقل عما يمكن أن يقوم به الإرهابيون. فهذه الفئة المغرقة في الضلال مستعدة لفعل أي شيء، لأنها ببساطة فئة لا عقل لها ولا دين، ولا تعترف بأخلاقيات أو حرمات، لأنها مجرد أدوات لأطراف خارجية تريد أن تعبث بأمن المنطقة، بما فيها المملكة السعودية. ومحاولة استهداف الحرم المكي بعد عام بالتمام على محاولة بائسة قرب الحرم النبوي، تؤكد فرضية أن منفذ الاعتداءين واحد وهدفه خبيث قد يفوق الوصف، وهو ما يستدعي من جميع المسلمين الوقوف بدون قيد أو شرط مع السعودية وأجهزتها الأمنية لحماية الحرمين الشريفين وتأمين المعتمرين والحجاج، ومن أجل رد كيد الإرهاب إلى أصحابه حتى القضاء عليه نهائياً.
في ضوء التقارير المؤكدة عن الهزائم المتلاحقة لتنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق وأنباء عن مصرع زعيمه أبوبكر البغدادي بضربة روسية، هناك مخاوف من أن تعمد فلول التنظيم والمتعاطفين معه، إلى أعمال عدوانية ضد عدد من الدول، من بينها السعودية التي أصبحت تتزعم الحرب على الإرهاب في العالم الإسلامي، خصوصاً بعد مقررات القمة الإسلامية الأمريكية الشهر الماضي، بشأن مجابهة التطرف وتجفيف منابعه المالية والفكرية. وضمن هذه المهمة يفرض الاعتداء الفاشل على المسجد الحرام على جميع الدول والأطراف التحرك فوراً لتسديد الضربة القاصمة للإرهاب وأفكاره السوداء، ورفع التنسيق بوضع استراتيجيات وطنية وإقليمية ودولية لتحقيق النصر النهائي والحاسم. فمما لا شك فيه أن المنظومات الإرهابية تتلقى في هذه المرحبات ضربات مدمرة، وهي إنجازات لا يجب أن تترك مجالاً للغفلة، فهذه الجماعات عندما توقن بهزيمتها المحتومة تتحول إلى شياطين ماردة لا يسلم من شرها شيء حتى حرمات الله وأقدسها على وجه الأرض.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى