غير مصنفة

الحلقة المركزية لمعركة القدس

علي جرادات

كانت الحالة الفلسطينية مهيأة للانفجار حتى قبل القرار الأمريكي بشأن القدس، فاستباحات الاحتلال السياسية والميدانية شاملة ومتمادية، ولم تُبق للفلسطينيين سوى الارتقاء بأعمال المقاومة والهبات الجماهيرية المبعثرة إلى مواجهة سياسية وشعبية شاملة وممتدة. أما بعد «القرار الأمريكي»، فبداهة أن يهب الشعب الفلسطيني لإفشال محاولة تصفية حقوقه وقضيته، بدءاً بقضم القدس. وبداهة، أيضاً، أن تهب الشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم لنصرة القدس، أكثر عناوين الصراع حساسية، ولب أعدل قضايا العالم في التاريخ المعاصر. هنا، لأجل تطوير معركة القدس وإدامتها، وتجنيبها مقتل الاستثمار السياسي المتعجِّل أو الجموح غير المحسوب والقاتل؛ ولأجل توسيع دعمها الخارجي وانتظامه، وصولاً إلى تحقيق هدفها المباشر في إلغاء القرار الأمريكي بشأن القدس، كخطوة على طريق إنهاء الاحتلال وإسقاط محاولة تصفية القضية والحقوق الفلسطينية، يجدر التشديد على العناوين التالية:
أولاً: الوحدة السياسية والميدانية الفلسطينية هي الحلقة المركزية لمنع الاحتلال وشريكه الأمريكي من تمرير خطة قضم القدس، وتصفية القضية الفلسطينية. فقرار الرئيس الأمريكي لشطب القدس، تاريخاً وهوية ورواية ومقدسات إسلامية ومسيحية وأرضاً، هو مجرد مقدمة لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية برمتها، وجوهرها حق عودة اللاجئين، تحديداً. هذه هي مخاطر «الخطوة الأمريكية»، ما يفرض تسريع خطوات استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، الركيزة السياسية لتطوير الفعل الميداني وإدامته، ومدخل الركيزة التنظيمية، عبر تشكيل صيغة تنسيق وطنية دائمة لتوحيد فعاليات الميدان وتحديدها. وفي صيغة «القيادة الوطنية الموحدة» ل«انتفاضة 87»، وصيغة «القوى الوطنية والإسلامية» لقيادة «انتفاضة 2000»، ما يمكن استلهامه، لا استنساخه، في شروط سياسية وميدانية مختلفة. إن انخراط الفصائل الفلسطينية في الفعل الميداني الدائر ضد الاحتلال، وتوفير الركائز الموحَّدة، في السياسة والتنظيم، هو، وفقاً للتجربة، مفتاح توتير قوس وتوحيد الشعب الفلسطيني من أقصاه إلى أقصاه، واستقطاب الدعم الخارجي الواسع الدائم والمنتظم لمصلحته.
ثانياً: هبّة أم انتفاضة؟ حسب القاموس الفلسطيني فإن الاستمرارية والمشاركة الشعبية الواسعة هما ما يميز الانتفاضة عن الهبّة. ولئن كان استمرار الفعل الميداني الجاري مشروطاً بتوافر الركيزتين الأساسيتين السياسية والتنظيمية، (عدا الركائز الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية والمعنوية)، فإن المشاركة الشعبية، لا ينبغي قياسها بالمشاركة في الاشتباك مع الاحتلال عند نقاط التماس، فقط، بل، أيضاً، بالمشاركة في المسيرات والتظاهرات والوقفات والاعتصامات الاحتجاجية داخل المدن والقرى والمخيمات، ودون نسيان المشاركة في تشييع جنازات الشهداء، وتقديم العزاء لذويهم. أما لماذا؟ فلأن جيش الاحتلال لا يوجد، (منذ نشوء السلطة الفلسطينية عام 94)، داخل التجمعات السكانية الأساسية في الضفة، ولا وجود له داخل قطاع غزة، (منذ العام 2005)، بينما يكون موجوداً كلياً في القدس وفي نصف مدينة الخليل وفي «مناطق ج» حسب تقسيمات «أوسلو».
والاستخلاص، هنا، هو أن تحويل الفعل الميداني الجاري إلى انتفاضة، تستلهم خبرة ودروس وأساليب وأدوات انتفاضتيْ 87 و2000، مشروط بتوافر العامل الذاتي، أي بوحدة الفصائل سياسياً، واستعدادها لتبني وتحمل أعباء وتبعات الفعل الميداني كخيار شعبي. فالشرط الموضوعي، (وجود الاحتلال واستباحاته وسياساته التوسعية العدوانية وإجراءاته القمعية) قائم منذ سنوات، بينما أضافت الخطوة الأمريكية بشأن القدس محركاً جديداً وكبيراً إلى المحركات القائمة لاندلاع «انتفاضة ثالثة».
ثالثاً: انتفاضة شعبية أم مسلحة؟ إن معركة القدس تحتاج تكامل كل أشكال النضال، السياسي والدبلوماسي والإعلامي والثقافي والعسكري. لكن قادة الاحتلال سيسعون إلى جر الفلسطينيين إلى مربع «المكاسرة» المسلحة، ( وتحديداً مع المقاومة في قطاع غزة)، لسببين هما: امتلاكهم قوة عسكرية غاشمة، ولأنهم معنيون بإظهار أن عنوان المعركة هو «الإرهاب» الفلسطيني المزعوم، وليس القدس. وهو ما يستدعي الحفاظ، ما أمكن، على الطابع الشعبي لمعركة القدس، الذي (مع إسناد ناري محدود)، هو ما أعطى «انتفاضة الحجارة»، عام 87، قدرة أن تحيَّد، ( إلى درجة كبيرة)، قوة الاحتلال العسكرية الباغية، وأن تحرجه وتتفوق عليه، سياسياً ومعنوياً وأخلاقياً، وأن تستقطب الدعم الخارجي الواسع والمنتظم، والذي نشهد مثيله في مقدمات معركة القدس الجارية.
رابعاً: تحتاج معركة القدس إلى كل دعم، رسمي وشعبي، عربي وإسلامي ودولي، ولا يجوز زجه، بحال من الأحوال، في لعبة المحاور. والقاعدة الذهبية، هنا، هي: فلسطين توظِّف ولا توظَّف، توحِّد ولا تفرِّق.

ali-jaradat@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى