الحوار الأوروبي الإفريقي والقنابل الموقوتة
ناصر زيدان
قمة التعاون التي عقدت بين قادة الاتحاد الأوروبي الـ 28 وقادة الدول الإفريقية الـ55 في مدينة أبيدجان العاصمة التجارية لساحل العاج بين 29 و30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، غلبت عليها قضايا الهجرة والأمن، وما يترابط معهما من استثمارات ومساعدات، وكانت تحدياً مفصلياً لمُعضلات مشتركة بين دول القارتين، ويتراوح مدى خطورة هذه المُعضلات؛ بين فوارق التنمية ومستوى المعيشة – حيث تتفوق أوروبا كثيراً على إفريقيا في هذا المجال – وصولاً إلى الفوارق في نسبة النمو السكاني ومستوى الخصوبة، حيث تتفوَّق إفريقيا بأشواط على القارة الأوروبية من هذه الناحية.
فبينما تتجاوز مداخيل دول الاتحاد الأوروبي الـ20 تريليون دولار وفق تقديرات العام 2017، لا تتجاوز المداخيل القومية لـ55 دولة إفريقية مجتمعة الـ16 تريليون دولار. وبينما يُقدر عدد الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ25 عاماً في بلدان إفريقيا بـ720 مليون شخص – وهي نسبة مرتفعة نسبة للعدد الإجمالي للسكان – تتدنى هذه النسبة لذات الفئة العمرية في بلدان أوروبا إلى أقل بكثير من هذا العدد، ويغلب على عدد سكان أوروبا الفئات العمرية المتقدمة في السّن.
تلك الفروقات تشكِّل عوائق أمام انسياب التعاون الإفريقي- الأوروبي كما يرغب به أغلبية قادة الفريقين، وتُشكل الهجرة غير الشرعية، وتجارة الرقيق، موضوعين أساسيين يحتاجان لمعالجة، نظراً لانعكاساتهما على الأمن في القارة الأوروبية، وعلى المستقبل الديمجرافي لدول الاتحاد المتقدِمة، لأن أعداد المهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا إلى أوروبا تتزايد، وقد فشلت كل الخطط السابقة للحد منه. وتزايدت الهجرة من الجنوب إلى الشمال في السنوات الأربع الماضية بسبب الفوضى التي تتخبط بها ليبيا، حيث أصبحت الصحراء الليبية مصدراً أساسياً لوصول الهاربين من فقر – أو جوع – إفريقيا إلى الشواطئ الليبية على المتوسط، ومنها إلى بلدان أوروبا المختلفة، كما تزايدت كوارث غرق القوارب غير الشرعية، وموت ركاب هذه القوارب في مياه المتوسط، أو على ضفاف الشواطئ الأوروبية.
38 رئيس دولة ورئيس حكومة من إفريقيا وأوروبا، إضافة إلى 5000 مشارك من المسؤولين والخبراء، ناقشوا على مدى يومين كيفية الوصول إلى حل لهذه المُعضلة، رغم أن جدول أعمال قمة التعاون الخامسة تضمَّن بنوداً أخرى إضافةً للهجرة غير الشرعية، ولكن هذه البنود الأخرى مرتبطة موضوعياً بالبند الأول، خصوصاً مواضيع الاستثمارات، والتنمية المستدامة من أجل خلق فرص عمل للشباب، إضافةً إلى ملفات الإرهاب والجريمة المنظمة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أبديا استعدادهما لزيادة منسوب الاستثمارات الأوروبية في إفريقيا، وتعهدا مع شركائهم الأوروبيين الآخرين ببذل الجهود مع الدول الفاعلة الأخرى لكي يصل مستوى الاستثمارات والمساعدات الخارجية في إفريقيا إلى أكثر من 250 بليون دولار، بينما هو لا يتجاوز هذا العام 180 بليوناً. كذلك فقد وعد الأوروبيون بمحاولة تعديل قواعد التبادل التجاري بين دول القارتين، آخذين بعين الاعتبار تقليص مستوى القيود النوعية التي تُكبل البضائع الإفريقية، وتمنع دخولها إلى الأسواق الأوروبية، وهذا الأمر كان مطلباً أساسياً لقادة الاتحاد الإفريقي، على ما أعلن الرئيس الحالي للاتحاد، رئيس غينيا الفا كونري.
قادة الدول الإفريقية – بمن فيهم قادة دول المغرب العربي الناشطون في القمة – أكدوا بمعظمهم: أن موضوع الهجرة غير الشرعية من إفريقيا؛ لا يمكن مقاربته من زاوية أمنية فقط، بل إنه ملف اقتصادي ومعيشي بامتياز، وللحد منه لا بد من إيجاد فرص عمل للشباب، وكذلك توفير مقومات العيش الكريم لهم، من خلال الضمانات الاجتماعية، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها. ولا بد من إعادة النظر في هيكلة التوظيفات الاستثمارية الخارجية في إفريقيا، وتوزيعها بشكل عادل في دول القارة السمراء، لأن واقع الحال يُشير إلى تمركُز أغلبية هذه الاستثمارات في دول شمال إفريقيا وغربها، بينما يتفاقم الفقر المُدقع في دول الوسط والشرق بشكل مُخيف.
البيان الختامي للقمة أشار إلى اتفاق دول الاتحاد الأوروبي ودول الاتحاد الإفريقي على وضع خطة طوارئ عاجلة، تسمح بإجلاء أعداد كبيرة من المهاجرين الموجودين في ليبيا، وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، وتقديم المساعدات الضرورية لهم، لأنهم يعيشون في ظروف قاسية، ولأن أوروبا لا يمكنها استيعاب كل هذه الأعداد على أراضيها، بينما هؤلاء المهاجرون ينتظرون في العراء عصابات التهريب لنقلهم إلى سواحل أوروبا مقابل مبالغ مالية كبيرة، من دون أية ضمانات تتعلق بالسلامة، ما أدى إلى وقوع مآسٍ لا تُحصى من جراء غرق أعداد كبيرة منهم في البحر.
ومن أهم المسائل التي أشار إليها بيان القمة، التعاطي مع متطلبات الشباب بجدية، بما في ذلك توفير حياة لائقة، وربطهم بحركية التطور التقني والإنترنت، ذلك أن الأجيال الجديدة تتطلع للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات، بينما تفتقر العديد من الدول الإفريقية إلى وجود بنية تحتية مناسبة لهذه الغاية، وتدني المداخيل للعديد من شباب إفريقيا، لا يسمح لهم بتغطية التكاليف المالية لهذه التكنولوجيا.
الجانب الإفريقي في القمة؛ طالب بتبديل قواعد التعاون بين القارتين، من خلال بناء شراكة أُفقية، تبادلية، وندية، تفسح المجال لإفريقيا بأن تُصدِّر منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية، وأن لا تبقى سوقاً استهلاكية للمنتجات الأوروبية، وبالتالي صرف النظر كلياً عن الشراكة العمودية القائمة على تقديم المساعدات من الغني إلى الفقير.
رئيس الاتحاد الإفريقي الفا كونري أوضح: أن القارتين تحتاجان لبعضهما البعض اليوم أكثر من أي وقت مضى، ولا نرغب بأن يكون الأفارقة مصدر تهديد للاتحاد الأوروبي، كما أننا لا نريد أن تبقى رواسب العلاقات التي خلفها الاستعمار قائمة إلى الأبد.
رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أوضح بدوره أنه «يجب الحيلولة دون وقوع جرائم ضد اللاجئين في ليبيا، لكن المقصود بطبيعة الحال إبعاد هؤلاء عن ليبيا باتجاه الجنوب، كي لا يتحولوا إلى قنابل ديمجرافية موقوتة إذا ما تمكنوا من ولوج شواطئ الشمال».