غير مصنفة

الخطط المتغيرة لتفتيت الشرق الأوسط

عاطف الغمري

بعض الخطط الاستراتيجية التي توضع في الغرب، وكذلك المسميات التي تعرف بها، والتي تتعلق بمنطقتنا العربية، يحدث عند النظر إلى كل منها في عزلة عن الأخرى، أن يكون في ذلك تبسيط خادع لما تمثله كل خطة في حد ذاتها، فكلها حلقات في سلسلة واحدة، تكمل بعضها، إلى أن يحين وقت نقلها من الإطار النظري إلى أرض الواقع، وأمامنا في هذا التسلسل، مسميات الشرق الأوسط الكبير، والشرق الأوسط الجديد، ومشروع القرن الأمريكي الجديد، وخريطة إعادة رسم حدود الشرق الأوسط، ونهاية عصر الدولة الوطنية.
فلو نظرنا إلى هذه المصطلحات التي تسمى بها تلك الخطط، سنجدها تعلن في فترات زمنية مختلفة وإن كانت متقاربة زمنياً، وتكون صادرة عن شخصيات أو مؤسسات سياسية متنوعة، وذات نفوذ. لكن تأملها ومتابعة تداعياتها ونتائجها، يظهرها بوضوح، كاستراتيجية واحدة ومتكاملة، ذات هدف واحد، وآليات تطبيق متشابهة إلى حد بعيد.
فمثلاً لو تتبعنا زمنياً مشروع إعادة رسم حدود الشرق الأوسط، بتقسيم دولة وتفتيتها إلى دويلات، سنجد أن «مركز أبحاث مشروع القرن الأمريكي الجديد»، أصدر في عام 1997، خطة تحمل هدفاً مشابهاً وطبقاً لما هو مسجل في برنامج المركز، فإن المشروع سعى إلى فرض السيادة الأمريكية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على العالم. وأن الشرق الأوسط يحتل مكانة رئيسية في هذا المشروع، بحكم أن المركز يقوده أقطاب حركة المحافظين الجدد، الذين يجاهرون بالانحياز لـ«إسرائيل»، والعداء للمصالح العربية، والقضية الفلسطينية.
لهذا يبقى الشرق الأوسط محط أنظارهم.
ونفس مجموعة المحافظين الجدد – والتي يوصف أعضاؤها في المصطلحات السياسية الأمريكية بكلمة صهاينة Zionists – حتى ولو كانت منهم قلة ليسوا يهوداً – هؤلاء كانوا وراء صياغة مصطلح الشرق الأوسط الكبير، الذي أعلنته إدارة بوش عام 2005، من أجل أن تتضاءل في إطاره الموسع، أولوية القضية الفلسطينية، لأنها ستندرج في هذا المصطلح ضمن مئات من القضايا والمشاكل التي تحتويها جغرافيا الشرق الأوسط الكبير، بمناطقه الممتدة من أفغانستان إلى شمال إفريقيا.
وقد يكون لهذا المشروع تشابه موضوعي مع مصطلح الشرق الأوسط الجديد، الذي أعلنه شيمون بيريز عام 1993، في كتابه الذي حمل نفس العنوان، داعياً إلى تغيير إطار العلاقات والحدود بين «إسرائيل»، ودول جوارها العربية. لدرجة أن بيريز طرح اقتراحاً – يدعو للسخرية – وهو أن تكون «إسرائيل» عضواً بجامعة الدول العربية!.
إن تعبير الشرق الأوسط الجديد، قد استخدمته كوندوليزا رايس، في مؤتمر صحفي لها في «تل أبيب» عام 2006. وبعدها بقليل نشرت مجلة القوات المسلحة الأمريكية، مقالاً بعنوان «حدود الدم» للكولونيل المتقاعد رالف بيترز، مرفق به خريطة، تتضمن تعديل حدود المنطقة، وإعادة رسمها بما يتفق مع مصالح الدول الغربية. وهو يحدد آليات تنفيذ الخطة، بأنها تتم عن طريق العنف، واستخدام وكلاء محليين.. وهو نفس ما شهدته المنطقة بعد ذلك، من عنف أتاحته لها أجواء «الفوضى الخلاقة»، حسب تسميتهم لها، وظهور الوكلاء المحليين من النشطاء، أو أعضاء الجماعات الإرهابية، بما أدوه من أدوار نشر الفوضى، وإشعال الصراعات الطائفية والعقائدية.
وبيترز ليس مجرد ضابط متقاعد، لكنه كان عسكرياً مسؤولاً، وقد عمل نائباً لرئيس أركان المخابرات بالجيش الأمريكي بوزارة الدفاع، واهتمت بأفكاره دوائر عسكرية، وصدرت له كتب عن السياسة الخارجية والاستراتيجية.
وبالرغم من أن البنتاجون لم يفصح عن اعتراف رسمي بخطة بيترز، إلا أن تدريبات جرت عليها في كلية «الناتو» العسكرية.
وخريطة بيترز لم تكن الوحيدة من نوعها، فهي واحدة ضمن سلسلة خرائط، لإعادة رسم حدود دول الشرق الأوسط، وآخرها النسخة المشابهة لهذه الخريطة التي نشرتها في يونيو/حزيران 2014، مجلة «أتلانتيك»، بعنوان الخريطة الجديدة للشرق الأوسط.
وسنلاحظ أن الوكلاء المحليين سواء كانوا جماعات سياسية داخلية مثلما وصفوا في استراتيجية «إسرائيل» للثمانينات، أو كانوا ضمن منظمات إرهابية، تدفقوا بأعداد كبيرة على دول المنطقة من بلاد خارجية، مزودين بالتمويل بلا حدود، والتسليح المتقدم، كانوا يركزون على هدف التقسيم والتفتيت، وضرب مبدأ الدولة الوطنية، حتى ينتهي الأمر إلى إنهاء التكامل الإقليمي لدول المنطقة، وكامل سيادتها على أرضها، بعد هذا التفتيت.
وإذا كان عدد ليس بالقليل من قادة الولايات المتحدة قد أفصحوا صراحة عن هدف هذه الخطط، فإن منها – على سبيل المثال – ما أعلنه جون كيري وزير الخارجية في إدارة أوباما، أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، من أن أيام سوريا كدولة، أصبحت قليلة، في إطار حدودها الحالية.
وكان أساس تفكيرهم أن تقسيم سوريا، وكذلك العراق إلى دويلات، سيخلق نموذجاً يسري تياره في بقية دول الشرق الأوسط.
نحن إذن أمام سلسلة حلقاتها متصلة ببعضها، وتطل علينا من وقت لآخر، تحمل المسمى الذي تعرف به، وكل الحلقات ليست منعزلة عن بعضها، لأن الذين يوجدونها، يتصرفون وفق استراتيجيات ثابتة، لخدمة مصالح دولهم، أولاً وقبل أي شيء.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى