الخليل تحت مقصلة التهويد
من دون مقدمات ولا رتوش، دخلت مدينة الخليل دائرة الاستهداف الاستيطاني الصهيوني الأخطر، عقب قرار سلطات الاحتلال إقامة بلدية خاصة بالبؤر الاستيطانية في قلب المدينة وبلدتها القديمة.
ومع أن الأخطبوط الاستيطاني يحاصر الخليل من كل الجهات بعشرات البؤر والمستوطنات وينتشر على مساحات واسعة من المحافظة، وهي الأكبر في فلسطين من حيث المساحة وعدد السكان، إلا أن استهداف قلب المدينة بهذا النوع من القرارات يشكل تهديداً مباشراً وخطراً شديداً على هوية المدينة وتاريخها وحضارتها الممتدة عبر العصور، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بالصراع الشرس الدائر حول التهويد والفلسطنة.
ومع أن الهجمة الاستيطانية الجديدة في الخليل تترافق مع الهجمة الصهيونية الأوسع والأشمل في الضفة الغربية المحتلة، حيث بدأ قبل يومين بإقامة أول مستوطنة جديدة وكاملة منذ نحو ربع قرن باسم «عميحاي» على أراضي الفلسطينيين جنوبي نابلس، لصالح مستوطني بؤرة «عمونا» العشوائية التي تم إخلاؤها في بداية العام الحالي، ثم سلخ ثلاث قرى غربي رام الله دفعة واحدة وضمّها إلى القدس لتوسيع مساحة الزحف الاستيطاني والتهويد، إلا أن الاستيطان في الخليل يأخذ أبعاداً مختلفة في غاية الخطورة، من حيث كونه يقسم المدينة أكثر مما هي مقسمة، ويفتح الباب على مصراعيه أمام حالة صراعية دائمة بين بؤر استيطانية، يعيش فيها عتاة المتطرفين والإرهابيين الأكثر شراسة من رعاع المستوطنين، وبين الفلسطينيين الذين تعاهدوا على المقاومة ومواجهة محاولات تكريس الاستيطان والتقسيم.
معروف أن أول بؤرة استيطانية بعد عام 1967 أقيمت في الخليل قبل أن تتحوّل إلى مستوطنة «كريات أربع»، وتصبح مركزاً لتجميع عتاة التطرف الصهيوني، وقبل أن ينتشر سرطان الاستيطان في بقية أنحاء المحافظة، فيما يعرف، بحسب النشطاء والخبراء، أن المستوطنات المنتشرة في محافظة الخليل هي الأقل نمواً بسبب مقاومة الفلسطينيين وإصرارهم على الحفاظ على ممتلكاتهم وأراضيهم.
مشكلة الخليل أنها لا تزال مقيدة باتفاق أوسلو الذي أبقى السيادة للاحتلال على البلدة القديمة، التي يحتلها نحو 800 مستوطن مقابل 60 ألف فلسطيني، فيما باتت الخشية من أن يؤدي تشكيل بلدة المستوطنين إلى تسرب المزيد من المنشآت والعقارات والممتلكات للمستوطنين من خلال تضييق الخناق على الفلسطينيين، ومنع وصول الخدمات إليهم، بل دفعهم وإجبارهم على تركها والرحيل، والهدف في النهاية هو السيطرة المطلقة على قلب المدينة وضمه إلى «كريات أربع» المجاورة، بما في ذلك الحرم الإبراهيمي المقسم منذ سنوات والذي وضع مؤخراً على قائمة التراث العالمي.
يجدر بالفلسطينيين الانتباه إلى المخاطر الجدية التي باتت تواجهها مدينة الخليل على صعيدي الاستيطان والتهويد، فالاتفاقات ثبت أنها لا تحمي المدينة، وإنما الذي يحميها هو سواعد أبنائها ومقاومة الاحتلال ومستوطنيه، كما يجب أن يكون عليه حال الفلسطينيين في كل الأراضي المحتلة.
يونس السيد
younis898@yahoo.com