الخوف من الشهداء
صادق ناشر
لا تخاف «إسرائيل» من شجاعة الأبطال المقاومين الفلسطينيين بسبب احتلالها لأرضهم فقط، بل ومن الشهداء أيضاً، حتى وهم تحت التراب، وهو ما جسدته دولة الاحتلال عندما صادق الكنيست بالقراءة الأولى قبل أيام على مشروع قانون يمنح الجيش «الإسرائيلي» صلاحيات احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، ومنع تشييعهم في جنازات جماهيرية.
ورغم أن المحكمة العليا أصدرت قراراً لاحقاً يؤكد عدم صلاحية الدولة باحتجاز جثامين الشهداء، بعد موافقتها على الاستئنافات المقدمة باسم أهاليهم التي طالبت بالإفراج عن جثامين أبنائهم المحتجزة، وإقرارها بعدم دفن الجثامين في «مقابر الأرقام» وتسليمهم لعائلاتهم، إلا أن حكومة الاحتلال لا تزال تراهن على إجراءات إضافية تحصل بموجبها على صلاحيات بعدم تسليم جثامين الشهداء لذويهم، حيث أجلت تسليم جثامين الشهداء المحتجزين في الثلاجات الذين دفنوا خلال الأشهر الماضية فيما يعرف ب«مقابر الأرقام» لحين إقرار القانون الذي صادق الكنيست عليه في القراءة الأولى.
المبرر الذي أقدمت عليه حكومة الاحتلال لتمرير مثل هذا القانون، يكمن في أن أقارب الشهداء يستغلون تشييع جثامينهم وتصبح جنائزهم مسرحاً للتحريض، وتتحول هذه الجنازات إلى تظاهرات معادية للاحتلال، لذلك يقترح مشروع القانون أن يتم السماح للشرطة ال«إسرائيلية» بالاستمرار في حجز جثامين الشهداء، وفرض شروط على ذويهم إذا تم الإفراج عن جثثهم، وتتمثل هذه الشروط في تحديد مواعيد الإفراج عن الجثث، ومراسم التشييع، وتوقيت الجنازة، ومكانها، وعدم استخدام عبارات تحريض، وكذلك طريقة الدفن.
وينص مشروع القانون المثير للجدل أيضاً، على منح قائد المنطقة في جيش الاحتلال ال«إسرائيلي» صلاحية تأخير تسليم جثامين الشهداء إلى عائلاتهم «حتى يتم ضمان تشييعهم من دون اضطرابات»، كما يتيح القانون للشرطة إصدار أمر بتأخير تسليم جثامين الشهداء «إلى أن يستوفي ذوو الشهداء الشروط التي تطلبها الشرطة في ما يتعلق بمراسم التشييع»، كما ستتمكن الشرطة من ممارسة «صلاحيتها»، إذا اشتبهت في أن «مراسم التشييع ستشكل خطراً على الحياة، أو ستتخللها مظاهر تحريض».
أكثر من ذلك، يعطي مشروع القانون المقترح للشرطة الصلاحية بتقييد مسار الجنازة، وتاريخها، وعدد المشاركين فيها، وهوياتهم، بما في ذلك الصلاحية بحرمان شخص معين من المشاركة في التشييع، وكذلك وضع قائمة محظورات خلال الحدث، وفي حالات خاصة، ستتمكن شرطة الاحتلال أيضاً من تحديد مكان الدفن.
في المحصلة الأخيرة، يمكن القول إنه عندما تمنع دولة ما جنازات الشهداء، فمن المؤكد أنها تخشى تأثيرهم، ربما أكثر مما هم أحياء، لأن الشهداء الذين يرتقون كل يوم في المواجهات التي تدور مع الاحتلال، يفضحون سياسته في التعامل مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه آلة القمع ال«إسرائيلية» بالمزيد من التضحيات.
هو الخوف، إذاً، من الشهداء فوق التراب، وتحت التراب، ف«إسرائيل» تدرك أن أرواح الشهداء تبقى حاضرة، وحية في أوساط شعبها، وتحرك غضبه عبر تظاهرات ومسيرات عند تشييع كل جنازة في مختلف مناطق فلسطين، وبذلك يكتب الشهداء بدمائهم وأرواحهم سيرة عطرة للمقاومة الفلسطينية، التي لم تستطع «إسرائيل» تحمل غضبها، سواء كان أهلها أحياء، أو أمواتاً.
sadeqnasher8@gmail.com