قضايا ودراسات

الدبابمحمد نور الدين رغم مرور أكثر من عشرين يوماً على بدء الأزمة القطرية، وطلب الإمارات والسعودية والبحرين ومصر من قطر تغيير سياساتها الخارجية ولا سيما تجاه إيران وجماعة الإخوان المسلمين، فإن التطورات الحاصلة عكست دوراً مركزياً لتركيا في تسعير هذه الأزمة. وبعد الانكسارات التي شهدتها السياسة الخارجية التركية في منطقة الشرق الأوسط من مصر إلى تونس إلى العراق وسوريا وليبيا، كان يفترض أن تعيد أنقرة حساباتها الإقليمية لتكون أكثر عقلانية وموضوعية. غير أن أنقرة لم تفعل سوى المزيد من العناد، فكانت القطيعة مع موسكو بعد إسقاط الطائرة الروسية في خريف 2015، ومع الولايات المتحدة بسبب تفضيل الأمريكيين قوات الحماية الكردية لمحاربة «داعش» في شمال سوريا، ومع الأوروبيين بعد اتهام أنقرة لهم بأنهم ضالعون في المحاولة الانقلابية العسكرية في 15 يوليو/تموز 2016. وجدت تركيا نفسها في عزلة إقليمية ودولية، ما اضطرها لإعادة ترميم بعض الجسور مع روسيا والاستنجاد ب «إسرائيل» نفسها لتطبيع العلاقات معها وتبادل السفراء وتعزيز التعاون الأمني والعسكري، فضلاً عن مشاريع التعاون الاقتصادية ولا سيما على صعيد الطاقة، متخلية عن تحقيق مطلبها الأساسي في رفع الحصار عن قطاع غزة. جاءت الأزمة القطرية ليتوقع المراقبون المتفائلون موقفاً تركياً متوازناً وعلى مسافة واحدة ولو في حدها الأدنى من أطراف الأزمة. ورغم بعض المناشدات التركية الخجولة بأن تُحل الأزمة سلمياً، فإن حجم الانحياز التركي إلى قطر كان أكبر بكثير مما كان متوقعاً. وفي خطوات خطابية وسياسية وميدانية مثيرة للتعجب والتساؤلات. لا يخفى أن العلاقات الأفضل لتركيا في منطقة الخليج العربي هي مع قطر لأسباب تطرقنا إليها سابقاً. لكن تركيا التي اكتفت بزيارة «رفع العتب» لوزير خارجيتها لاحقاً إلى الرياض، كانت تخطط لكي تزيد نفوذها في الخليج والجزيرة العربية عموماً عبر مقامرة توفير الدعم المطلق لقطر من جهة، وعبر التصرف كما لو أن الجزيرة العربية لا تزال ولاية عثمانية. وكانت نبرة «الاستعلاء» و«الإملاء» واضحة في خطابات المسؤولين الأتراك إلى درجة تحديد تواريخ بصيغة الأمر لإنهاء الأزمة قبل نهاية شهر رمضان المبارك. وكانت كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غير مستساغة في هذا الشأن، وكذلك كلام رئيس الوزراء ابن علي يلديريم، بأن مقاطعة قطر لا تتلاءم مع الإنسانية.ات التركية في الدوحة

محمد نور الدين
رغم مرور أكثر من عشرين يوماً على بدء الأزمة القطرية، وطلب الإمارات والسعودية والبحرين ومصر من قطر تغيير سياساتها الخارجية ولا سيما تجاه إيران وجماعة الإخوان المسلمين، فإن التطورات الحاصلة عكست دوراً مركزياً لتركيا في تسعير هذه الأزمة.
وبعد الانكسارات التي شهدتها السياسة الخارجية التركية في منطقة الشرق الأوسط من مصر إلى تونس إلى العراق وسوريا وليبيا، كان يفترض أن تعيد أنقرة حساباتها الإقليمية لتكون أكثر عقلانية وموضوعية.
غير أن أنقرة لم تفعل سوى المزيد من العناد، فكانت القطيعة مع موسكو بعد إسقاط الطائرة الروسية في خريف 2015، ومع الولايات المتحدة بسبب تفضيل الأمريكيين قوات الحماية الكردية لمحاربة «داعش» في شمال سوريا، ومع الأوروبيين بعد اتهام أنقرة لهم بأنهم ضالعون في المحاولة الانقلابية العسكرية في 15 يوليو/تموز 2016.
وجدت تركيا نفسها في عزلة إقليمية ودولية، ما اضطرها لإعادة ترميم بعض الجسور مع روسيا والاستنجاد ب «إسرائيل» نفسها لتطبيع العلاقات معها وتبادل السفراء وتعزيز التعاون الأمني والعسكري، فضلاً عن مشاريع التعاون الاقتصادية ولا سيما على صعيد الطاقة، متخلية عن تحقيق مطلبها الأساسي في رفع الحصار عن قطاع غزة.
جاءت الأزمة القطرية ليتوقع المراقبون المتفائلون موقفاً تركياً متوازناً وعلى مسافة واحدة ولو في حدها الأدنى من أطراف الأزمة.
ورغم بعض المناشدات التركية الخجولة بأن تُحل الأزمة سلمياً، فإن حجم الانحياز التركي إلى قطر كان أكبر بكثير مما كان متوقعاً. وفي خطوات خطابية وسياسية وميدانية مثيرة للتعجب والتساؤلات.
لا يخفى أن العلاقات الأفضل لتركيا في منطقة الخليج العربي هي مع قطر لأسباب تطرقنا إليها سابقاً.
لكن تركيا التي اكتفت بزيارة «رفع العتب» لوزير خارجيتها لاحقاً إلى الرياض، كانت تخطط لكي تزيد نفوذها في الخليج والجزيرة العربية عموماً عبر مقامرة توفير الدعم المطلق لقطر من جهة، وعبر التصرف كما لو أن الجزيرة العربية لا تزال ولاية عثمانية.
وكانت نبرة «الاستعلاء» و«الإملاء» واضحة في خطابات المسؤولين الأتراك إلى درجة تحديد تواريخ بصيغة الأمر لإنهاء الأزمة قبل نهاية شهر رمضان المبارك. وكانت كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غير مستساغة في هذا الشأن، وكذلك كلام رئيس الوزراء ابن علي يلديريم، بأن مقاطعة قطر لا تتلاءم مع الإنسانية.
واستكملت وسائل الإعلام التركية هجماتها غير المسبوقة على دول الخليج بأن اتهمتها مثلاً صحيفة «يني شفق» المؤيدة لحزب العدالة والتنمية بعقد اجتماع لممثليها مع مصر وأكراد سوريا والولايات المتحدة في القامشلي لتقاسم نفط سوريا، كأن دول الخليج وحتى مصر بحاجة لمزيد من النفط والغاز.

ولم تترد الصحيفة في عدد آخر بوصف حصار قطر على أنه «غدر»، مشبهة ذلك بحصار «إسرائيل» للقطاع لكن من دون أن تستعمل صفة الغدر ل «إسرائيل» ومتسائلة «هل تتحول قطر إلى غزة الخليج؟».
ولا شك في أن ذروة التحدي التركي للدول الخليجية كان الإسراع في تمرير اتفاقية القاعدة العسكرية التركية في قطر في البرلمان التركي، ومن ثم المسارعة إلى إرسال دبابات تركية إلى قطر لتظهر هذه الدبابات في صورتين وزعتهما وكالة «رويترز» كما لو أنها «رسالة بالنار» للدول التي اتخذت إجراءات ضد قطر. وهذا كان أول «وثيقة» على عودة العثمانيين إلى المنطقة والخليج، ومن بوابة قطر بالذات، بعد مئة عام على اندحار العثمانيين من الجزيرة وكل المنطقة العربية.
الصفة التهديدية لهذه الخطوة التركية لا يخفف منها اقتراح أردوغان على السعودية إقامة قاعدة عسكرية تركية على أراضيها، وكأن السعودية بحاجة لحماية بضع دبابات تركية لأمنها، ومن جهة ثانية تغطية لإقامة القاعدة العسكرية في قطر. لذلك لم يكن مستغرباً من مصدر سعودي أن يعلن الرفض التام الجازم للسعودية لمثل هذا الاقتراح.
لم يتخل أردوغان عن سياسات التفتين بين الإخوة والأشقاء. وكان واضحاً أن الموقف التركي كان في صلب التصلب القطري ورفض أي حوار مع الدول الخليجية قبل إنهاء المقاطعة.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى