قضايا ودراسات

الدراما في مواجهة الإرهاب

ليست المرة الأولى التي تتطرق فيها أعمال فنية لقضايا سياسية حيوية، وقد سبق للكاتب وحيد حامد أن قدم الجزء الأول من مسلسل «الجماعة»، ونال جماهيرية واسعة، كما رافقته موجة اعتراضات واحتجاجات من «الإخوان» في مصر. والعام الماضي شاهدنا المسلسل الإماراتي «خيانة وطن»، والذي تناول أيضاً خفايا وألاعيب «الإخوان» من خلال الكشف عن خلية سرية تغلغلت داخل المجتمع المحلي، إلى أن تم القبض على عناصرها.
حامد أعلن منذ مدة عن تصوير الجزء الثاني من «الجماعة»، وكنا ننتظر أحداثه بشوق. لكننا لم نكن نعلم بوجود عمل آخر، يتناول تنظيم «داعش» الإرهابي وبشكل واضح وجريء جداً، حتى أيام قليلة قبل بدء الشهر الفضيل، ألا وهو مسلسل «غرابيب سود» الذي يضم مجموعة من الممثلين من مختلف الدول العربية، ويأتي في وقت نحتاج فيه فعلاً لمواصلة مواجهة الإرهاب وتنظيماته بشكل معلن، وفضح أعمالهم ومخططاتهم وأساليبهم في تضليل الناس وخداعهم، ناهيك عن عمليات القتل والسبي والذبح والتفجير وارتكاب جرائم لم تكن مألوفة للإنسانية قبل انتشار هذه الموجة المدمرة.
الجرأة في «غرابيب سود» تكمن في تناوله قصصاً حقيقية، تستند أحداثها إلى روايات أشخاص تمت استمالتهم للانضمام إلى التنظيم، وأشخاص عاشوا تجارب مرة لها علاقة مباشرة بهؤلاء الإرهابيين. وحين يدرك المشاهد أنه أمام عمل درامي- واقعي، يلعب فيه الخيال دوراً بسيطاً لزوم الحبكة، يشعر بمصداقية كبيرة ويعيش تفاصيل الأحداث ويتفاعل معها بقوة. ولا شك أنه سيحرص على المتابعة، وسيتأثر وكأنه يرى واقعه وحياته أمام عينيه.
لن نستبق الأحداث لنحكم على «الجماعة 2» و«غرابيب سود»، إنما علينا أن نشاهد هذه النوعية من المسلسلات، وندقق في تفاصيلها، لأنها تمس كل فرد منا، وتتناول قضية يعانيها العالم كله وليست محصورة بطرف أو بلد فقط. علينا أن نشاهد هذه النوعية من الأعمال ليرى الجميع «التنظيمات الإرهابية» كيف تكون من الداخل، وماذا يحدث في بيوت عناصرها، كيف يفكرون ويتصرفون؟ لماذا يستهدفون النساء والأطفال خصوصاً، وكيف يرسمون خططهم الإجرامية لقتل الأبرياء وبث الذعر في المجتمعات؟
في مثل هذه الحالة، نحن نشاهد ونشارك في دعم الدراما الجيدة الهادفة، بدل الانسياق خلف أعمال تافهة أو تجارية لا غاية منها سوى تحقيق المكاسب المادية لأصحابها، ونشر الفساد في المجتمعات. دورنا لا يقتصر على الفرجة فقط، بل التفاعل لنحدث تغييراً في الخط الدرامي السائد، فينتشر الوعي، وتصير أعمالنا تليق بحياتنا وبأبنائنا والعصر الذي نعيشه، وتتماشى مع دعواتنا المستمرة إلى ضرورة محاربة الفكر الإرهابي المتطرف بالفكر البنّاء الواعي المستنير والمعتدل.

مارلين سلوم
marlynsalloum@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى