«الدرب واضح».. موقف ثقافي وأخلاقي
عند قراءة قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الحكمية، الأخوية، التسامحية، الهادئة في لغتها وطرحها، وبكل ما تنطوي عليه من فروسية، وعقلانية.. نقف على الأثر الأدبي والسياسي الذي تحمله القصيدة من دون شعارات طنَّانة.. من دون انفعالية.. من دون استعلائية.. وببساطة، هي قصيدة رؤية، وموقف، ونصح.. قصيدة قربى وحسن جوار. قصيدة مؤثرة بكل معنى الكلمة لأنها تتحدث بلسان الأخ نحو أخيه، والقريب نحو قريبه. بيت واحد. خليج عربي واحد. قيادة إماراتية على قلب واحد رؤيتها دفن الشرّ، والنداء الأخوي الحميمي ليعود الأخ إلى بيت العائلة. درب واضح. صراط مستقيم بالأمانة والفكر والإيجابية العقلانية التي تظهر اليوم في أدب رجل لا يخاطب دولة وشعباً ومؤسسة حاكمة فقط ، بل، ويخاطب العالم كله.. أنْ هذه هي الإمارات بلد أخوة وتسامحية، وعراقة، وحكمة، وعودة دائمة إلى التاريخ الذي لا يكف عن إعطاء الدروس تلو الدروس.. ومن بينهاأنْ ما من «أهل رطانة» يمكن لهم أن يكونوا ملاذاً، وحضناً أكثر أماناً من حضن وملاذ العربي، والجار العربي.
قراءة قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التي استقبلتها فعاليات عربية مثقفة تفهم روح الشعر.. هي قصيدة موقف أخلاقي ضمن بيئة سياسية معينة، ولكن بقالب أدبي شعري، أي إن السياسي هنا اختار لغة الشعر في النصح والتقارب والمحبة، وكم كان الشعر، عبر التاريخ الأدبي وفي قضايا سياسية يؤدي دوراً أكثر مما تؤديه لغة السياسة المباشرة، خصوصاً الإعلامية، وأغلبها تحريض.
لا تحريض في قصيدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد. لا تعبئة. لا تشنج وغضب.. بل، مفتتح عروبي أدبي أصيل بدأ به النص يتعلق بالخيل وتراثها الكريم، ثم انتقل إلى الأجمل والحميمي:
«عوني وأخويه وإن أناديه جاني
وإذا يناديني ألبي عشانه
هذاك بوخالد وما عنه ثاني
الله رفع قدره وبالعقل زانه
والوقت في أمره وطوع البناني
من هيبته تموت النفوس الجبانه».
ثم ينتقل إلى موضوع القصيدة.. أو هاجس القصيدة وروحها المعنوية:
«والجار قبل الدار جا في المعاني
وكنّا نعينه وهو لنا في الاعانه
من منبت واحد وشعب وكياني
دم ولحم واحد وأرض وديانه
وتدري قطر أنّا لها ظل داني
عن الغريب وعن ضعيف المكانه».
ثم إلى كتلة شعرية ثالثة تؤكد على الديرة الخليجية الواحدة.. تؤكد على «الدرب الواضح».. بقفلة كبريائية واضحة:
«وإن ما بغيتوا دربنا بامتناني
فكل واحد له طريجه وشانه».
هذه هي المفاصل الثلاثة الفنية الإبداعية الأدبية في القصيدة المبنية بناءً محكماً.. بأفكار ولغة واضحة وصريحة تذهب إلى عقل القارئ، وقلبه، ووجدانه بلا تعقيد سياسي بالدرجة الأولى، وبلا فجوات وفراغات تربك من يستقبل النص إن على المستوى الأدبي، أو على المستوى السياسي.
أقول.. إن القصيدة هي موقف شاعر، وقائد، وإنسان، ومثقف.. وأتوقف عند كلمة مثقف، لأنه في الأزمة القطرية الراهنة ما أحوجنا إلى مواقف مثقفين من هذا النوع الحكمي العقلاني الأبوي.. بعيداً عن الكتبة المرتزقة المنتفعين من خير قطر.. وعندما «كل واحد له طريجه وشانه» سترى أنهم أول الهاربين من قطر، وأول المرتدين عليها وعلى شعبها العربي الخليجي الكريم.
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com