قضايا ودراسات

الدوحة في كواليس قمة الرياض

حبيب الصايغ

تبدو قطر في وضع أكثر يأساً وإحباطاً بعد قمة الرياض الأخيرة، ومن المهم متابعة المشهد؛ لمعرفة أسباب هذا الإحباط الذي عبر عنه الانتقاد القطري للبيان الختامي للقمة، فغياب أمير قطر عن الخدمة لم يخدم قضيتها، وكان محل اعتراض كواليس القمة؛ لأن قمة «التعاون» في الرياض كانت فرصة تتطلب الشجاعة الأدبية لعرض الموقف القطري، لكن الفرصة ضاعت على الدوحة نتيجة للحسابات الصغيرة، ونتيجة لاشتغال ما يسمى «معسكر الصقور» الذي يمثله الأمير السابق، ولا شك في أن غياب الأمير تميم صعّب من مهمة أمير الكويت الداعي إلى المصالحة، كنهج يؤمن به ويتبعه. من جهة ثانية، فإن قطر ما زالت تعول على مصالحة تقليدية، حسب ما يعرف ب «حب الخشوم»، وصولاً إلى نسيان تجاوزات الدوحة والتزاماتها.
مثل هذه المصالحة لن يحصل، خصوصاً في ظل استمرار الممارسات القطرية ضد الدول الأربع، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ولا يغيب، ضمن هذا السياق، الدور القطري في استهداف المملكة بالتنسيق مع أنقرة، عبر ملف جمال خاشقجي، حيث عمّق هذا الجانب الخلاف، وأجج الجراح، ما لا يمكن تجاوزه وفقاً للآمال القطرية.
إلى ذلك، علم من كواليس القمة أن التحفظ القطري على البند المتعلق بالإجراءات السعودية تجاه قضية خاشقجي جاء تابعاً لاشتراط قطر بأن يكون هناك بند متعاطف معها ضد إجراءات الدول الأربع عليها، ورفضت دولة الرئاسة الجديدة سلطنة عمان مثل هذه المقايضة، وأصرت أن يبقى البند الداعم للإجراءات السعودية، وهو، بالمناسبة، بند من اقتراح دولة الرئاسة عمان، ولم يأتِ من الجانب السعودي.
يقودنا هذا إلى شعور قطري بفقدان النفوذ في مجلس التعاون، وهو ذاته الشعور القطري بالعزلة وهي تنسحب من منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك». اليوم قطر، بسبب علاقاتها السيئة مع نصف أعضاء مجلس التعاون، ومع الدولة الرائدة في المجلس، وقطر نفسها تدرك أنها دولة محدودة أو عديمة النفوذ في منظومة المجلس، كما أن اتجاهها إلى بناء علاقات خارجية مغايرة ومناقضة أسهم كثيراً في هذا الجانب، وأدت سياساتها الإعلامية إلى رفض شعبي كبير جداً، وإضرار بسمعة قطر في المحيطين الخليجي والعربي.
من ذلك المنطلق، يمكن القول بأن مجلس التعاون «تعلم» كيف يتحرك ويفعل بالرغم من أزمة قطر، وأدرك أن العديد من المسائل الاستراتيجية والسياسية لا يمكن التنسيق فيها، في هذه الفترة الاستثنائية الحرجة، عبر المصارحة المطلوبة بين الأشقاء والشركاء..
هكذا ضاعت فرصة جديدة أمام قطر؛ لأنها اختارت ألّا تواجه مشكلتها بصراحة وشفافية، وقبل ذلك بشجاعة، ولقد كان حضور أميرها الغائب إحدى الفرص التي تتطلب الشجاعة، كما أن استمرار قطر في محاولة استهداف استقرار جيرانها، وتحريضها في ملف خاشقجي، بعض دليل واضح على ذلك، يجعل من المستحيل أن تتكلل الجهود المخلصة للشيخ صباح الأحمد بالنجاح، من دون أن تغير الدوحة مواقفها، وتكسب صدقية في شؤونها وعلاقاتها مع دول المجلس، فها نحن نرى دور قطر على النقيض، دور من يبطئ المسيرة إن لم يعرقلها، وحضورها وغيابها سيان في ظل هذا الوضع، واليقين أن اعتراضها على الفقرة التي اقترحتها سلطنة عمان لتعزيز موقف جمعي واضح مع المملكة العربية السعودية يندرج في الحسابات الخاطئة التي عودتنا عليها السياسات القطرية.
الواضح لمن يريد الوضوح أن السبيل الأمثل للدوحة للخروج من عزلتها ليس المكابرة، ولا يمكن أن تنتظر قطر رحيل الأمير السابق لتطلق (من طلق يطلق طلاقاً) «توجهاته والخسائر المعنوية والسياسية والاقتصادية الكبيرة، فتغيير المواقف، بكل شفافية وأريحية، هو الأساس.
الأهم، عقلانياً وعاطفياً، أن تكون علاقات الدوحة مع الرياض وأبوظبي والمنامة سليمة وصحيحة؛ لأن طهران وأنقرة وعواصم أخرى بعيدة لم ولن تمثل الخيار الطبيعي للمواطن القطري.
وعلى الدوحة أن تعلم أنها ستظل في كواليس القمم الخليجية كما هي في كواليس الحياة الخليجية إلا إذا عادت إلى نفسها وأهلها وجيرانها، وإلى الاعتدال والوسطية والعقل والحكمة، بعيداً عن التهور الأعمى والتكتيكات الضيقة الصغيرة. الحل للمرة، ربما، الألف، في الرياض، وليس في أي مكان آخر، وساذج من يعوّل على البعيد حتى الإدارة الأمريكية، أما أن تحل أزمة قطر ب «هاتف صغير» من هناك، فمسألة أثبتت التجربة والأيام أنها أقرب إلى النكتة، لكن النكتة السخيفة السمجة.
بعد ذلك وقبله، فإن مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلق في الماضي ليبقى في المستقبل، والأكيد أن رئاسة سلطنة عمان للمجلس في الدورة المقبلة، ستكون إضافة مهمة، تكملها رئاسة دولة الإمارات القمة في دورتها الأربعين.
ولم تكن الدوحة في أضواء القمة، وإنما في العتمة والكواليس. هذه نتيجة خياراتها وسياساتها وأعمالها، فلتتجرع من الكأس التي ظلت تمدها، عبر أكثر من عقدين، بكل أنواع الآثام والسموم.

زر الذهاب إلى الأعلى