قضايا ودراسات

الديمقراطية والقراءات الانتقائية

خيري منصور
التعددية والاختلاف في الأطروحات ووجهات النظر من صميم الديمقراطية؛ لكن من لم يكن لديهم حظ في تجربتها يقرأون ما يصدر عنها على طريقتهم ووفق منهجهم، لهذا يرون في التعدد انقساماً وتشظياً، وفي اختلاف المقاربات تناقضاً، وأحياناً يختارون ما يروق لهم ويتناغم مع ثقافتهم من المقالات المنشورة في الصحف؛ بحيث تصبح الجملة السياسية، مبتدأ بلا خبر أو بمعنى أدق شبه جملة.
وتعامل الإعلام العربي خصوصاً المؤدلج منه والمسيس والمسير مع إفرازات الديمقراطية في كثير من دول العالم يعد نموذجاً في الإسقاط أو ما يسمى في علم النفس، الرغائبية؛ بحيث لا يرى الإنسان غير ما يريد، ولا يسمع إلا ما يود سماعه، رغم أن افتعال الصمم أو التعامي له نتائج كارثية؛ بحيث يتحول من يفعل ذلك إلى نعامة تغمد رأسها فقط في الرمال بينما يبقى جسدها كله في مرمى السهام!
والديمقراطية حتى بالنسبة لمن بشروا بها لم تكن خياراً طوباوياً أو مقدساً؛ بل هناك من رأوا فيها أهون الشرور. ولونستون تشرشل مقولة شهيرة في هذا السياق.
وما نلاحظه بقوة هو أن من يتحدثون عن الديمقراطية ولا يعيشونها أشبه بمن وصفهم برنارد شو بسخريته المعروفة. وهم الذين يفرطون في الثرثرة عن كل ما ينقصهم على سبيل التعويض اللفظي!
والديمقراطيات الغربية التي تقدم عينات منها المناظرات الانتخابية الصاخبة ليست صناديق فقط، فالصناديق كما هو معروف أتت ذات يوم بطغاة أوصلوا بلدانهم إلى الهلاك كما حدث في ألمانيا النازية وإيطاليا في الحقبة الفاشية.
الديمقراطية مناخ يتنفسه الناس وله تجليات مبثوثة في كل خيوط النسيج الاجتماعي، بدءاً من روضة الأطفال حتى الأسرة، مروراً بالجامعة وسائر التشكيلات الاجتماعية.
وإذا كان للديمقراطية شروطها ومراحلها التي لا تقبل الحرق والاختزال، فإن قراءتها أيضاً والحكم عليها يتطلب تأهيلاً ودراية، وبغير ذلك تصبح قراءة الديمقراطية أفقية وانتقائية!Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى