الرضاعة.. ومنصة التوثيق
صالح عبدالعزيز الكريّم
عندما شرع الله سبحانه وتعالى الرضاعة كانت لأهداف متعددة فهي محتوى بيولوجي عبر الحليب يتحقق عنه رابط شرعي (نسب) ويهدف لتحقيق نواحي غذائية وصحية واجتماعية وتربوية وبيولوجية، لذلك فإن من أهم الأمور في الرضاعة هو توثيق الرضاعة لأنه يثبت من خلالها أمور شرعية لها علاقة بالنسب، ومن الأنظمة الجديدة في أنظمة التوثيق هي خدمة توثيق الرضاعة عبر ناجز أو منصة الإنهاءات بوزارة العدل، حيث إنه مع الوقت وتوالي الأيام فإن هؤلاء الناس يفترقون ويتباعدون مما يجعل الرضاعة عرضة للنسيان ومن ثم فإن الاعتراف بالرضاعة بعد نسيانها شيء يصعب تقبله أو تذكره ويتم لا قدر الله حالة زواج بين أخ وأخته من الرضاعة أو أحد محارمه من الرضاعة ويحدث ما لا تحمد عقباه.
ولعل أهم أمر في منصة توثيق الرضاعة أن تكون مرجعًا عندما يتشكك البعض في أمر الرضاعة ولا يعتمد فيه على ذاكرة قد اخترقتها الأيام وأذاب فاعليتها الزمن، وفكرة التوثيق رسميًا تعد بحق خدمة تشكر عليها الوزارة وهي إحدى خدمات التوثيق التي تتبناها الوزارة فشكرًا لهم على هذه الخدمة.
أما الأمر الآخر فهو التساؤل: لماذا يصل الأمر بالرضاعة أن تأخذ حكم النسب في القرابة؟ لعلي أشرح هذا الموضوع في مقال منفرد بإذن الله لأن لذلك حكماً متعددة منها حكمة علمية أوضحتها أبحاث حديثة لها علاقة بالخلايا الجذعية.
قبل أسبوعين كان الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية وكان هناك شيء من التوعية عنها لكن لم تبسط إعلاميًا لإظهار أهميتها بالشكل الذي ينبغي أن تدرك من خلاله كل سيدة وأم يرزقها الله بمولود أن من أهم الأمور الصحية هي الرضاعة الطبيعية وهي مفيدة لمناعة الطفل وحالة الأم الصحية، فاليوم كل الدراسات والأبحاث والتوجهات تشير إلى ضرورة ممارسة الرضاعة الطبيعية خاصة بعد الولادة مباشرة لأن ذلك له دور كبير على بقاء حياة الأم في عافية وصحة بعيدًا عن اكتئاب ما بعد الولادة ويساعد في تعزيز الجهاز المناعي لها وللرضيع.
إن الأبحاث في الرضاعة تشير إلى أن أهم أيام الرضاعة هي الأيام الأربعة الأولى بعد الولادة حيث تفرز الأم ما نطلق عليه اسم (اللبا colostrum) وهو باكورة إنتاج الغدد الثديية من الحليب بعد الولادة مباشرة وهو غني بالبروتينات المتمثلة بالجلوبيولينك المناعية Imunoglobulins وبروتين يختص بمقاومة مختلف أنواع البكتريا وبعض أنواع الفيروسات مثل فيروس شلل الأطفال وفيروس الحصبة وفيروس النكاف كما أن (اللبا) يحتوي على فيتامين (أ) وتركيز الكلور والصوديوم بالإضافة إنه يحتوي على أكثر من مائة إنزيم وعلى معادن مختلفة، كل ذلك يقودنا على القول بأن تجاوز الرضاعة الطبيعية من الأم وإهمالها لها دون سبب خسارة مناعية للطفل، لذلك فإن التوجه الحديث صحيًا هو التوصية بالمبادرة بإرضاع المولود مباشرة دون حجبه عن الرضاعة في أيامه الأولى، فما ذكرناه من فوائد في ما يخص (اللبا) فقط لكن ما يحتويه لبن الأم عمومًا من عوامل مهمة لحياة المولود فذلك أمر آخر يطول شرحه، ويبقى أخيرًا معرفة أن الإفساح لامرأة أخرى في إرضاع المولود غير أمه يفيد كثيرًا عند بعض الأمهات اللائي يعانين من شح في إنتاج الحليب أو تعرضها لظروف مرضية لا تستطيع إرضاع صغيرها أو لا قدر الله تتوفى عنه أمه فتقود حالته الحاجة لمرضعة وهو أمر مسعف كبير لتعزيز مناعة الصغير ضد الأمراض قد لا يجده في الحليب الصناعي، لذلك كان له أحكامه في الشريعة وأما ما الحكمة العلمية والبيولوجية لذلك فنوضحها بمقال آخر باذن الله.
نقلاً عن “المدينة“