الرضا الوظيفي
ابن الديرة
إحدى الوسائل المهمة لنشر السعادة بين الموظفين والعمال، هي الوصول بهم إلى مستويات مقنعة من الرضا الوظيفي والمهني، تطلق ملكات كل منهم بلا قيود أو حدود، فحب العمل الذي تؤديه يرتقي بمخرجاته، كماً ونوعاً وكفاءة وتميزاً، والحالة العكسية صادقة تماماً، فإذا كان الشخص في المكان غير المناسب لميوله وعلومه وتأهيله وهواياته، فإنه يؤدي عمله برتابة رهيبة، روتينية، لا جديد فيها ولا إبداع، فيصبح عالة على مجتمعه، وليس ترساً في عجلة تقدمه وارتقائه.
لذلك، يجب أن تحرص الجهات المسؤولة عن التوظيف والتشغيل، على تحقيق الرضا الوظيفي والمهني لكل من يؤدي عملاً، حتى يتقنه ويجتهد في إخراجه بأحسن حال ووضع ممكنين، حتى لا يخسر المجتمع قدرات كامنة لدى غير الراضين عن مواقع عملهم، كان من الممكن أن يستفيد منها المجتمع والفرد معاً، لا أن تتحول إلى قوة سلبية، وتشكل في مجموعها خسائر غير محسوسة ولا محسوبة رياضياً، لكنها مدركة بالعقل والمنطق، وبداهة الأمور.
إذا كان المعلم غير راضٍ عن وظيفته أو موقعه الوظيفي، بسبب تجمد الترقيات وغياب الحوافز وتواضع الامتيازات، فلن يكون عطاؤه بالمستوى الضروري واللازم للارتقاء بالعملية التربوية والتعليمية، وسيؤدي عمله بسطحية، وقد يمنح ضميره المهني إجازة، ويبدأ في تحسين وضعه بطرقه الخاصة، ولا يخفى على أحد أن الدروس الخصوصية أبرزها وأوسعها انتشاراً.
الطبيب إذا كان دخله لا يتناسب مع وضعه الاجتماعي الراقي بسبب طبيعة مهنته الإنسانية، فإن عدم رضاه الوظيفي سينقلب إلى حد ما وبالاً على رؤوس المرضى والمراجعين وأسرهم، وستغيب الدقة والكياسة في الكثير من سلوكياته مع مرضاه، ولن يجتهد في القراءة والاطلاع لملاحقة كل جديد في مجال تخصصه، وسيتحول هو أيضاً إلى أحد عوامل إعاقة قاطرة البحث والعلم والتنمية من استمرار سيرها مع القافلة لتحقيق أهداف، اليوم والغد.
حتى العامل الذي يؤدي عملاً مهنياً متخصصاً، يجب ألّا نستهين بضرورة وأهمية تحقيق رضاه المهني عن جميع نشاطاته، وأن يُجازى عنها بما يتناسب ونتائجها الإيجابية، فاللامبالاة وعدم الاكتراث والعمل غير المتقن ولا المكتمل، سيكون السمة الرابطة بين كل الأعمال التي يؤديها، فهو يعمل «بلا نِفس» كما يقولون، كونه يؤدي عملاً لا يناسب إمكانياته وميوله، أو لا يُجازى جيداً عن العمل الذي يبدع فيه، وينتجه بغزارة وإتقان.
في الوظيفة الحكومية أو الخاصة، الرضا الوظيفي مطلوب لكل من يؤدي عملاً بأجر، ليكون مخلصاً وصادقاً في عمله، ويبدع فيه باستمرار، وهو حق طبيعي يجب أن تحرص جهات العمل عليه، لأن مردوده الإيجابي يعم المجتمع بأسره وليس لصاحبه فقط.
حتى المتطوع، يجب أن يمارس النشاط التطوعي المناسب لقدراته ورغباته معاً، لأنه سيبدع فيه، ويجب ألّا يُعهد إليه بعمل لا يميل إليه، ولا يتقنه، لأنه لن يجد نفسه فيه.
ebn-aldeera@alkhaleej.ae