الرضا والقناعة خير وأبقى
سوسن دهنيم
«لا يهم ما إذا كنتِ قد أنجبتِ أطفالاً أم كتبتِ كتباً، أو بعتِ الفطائر في الشارع أو وقّعتِ عقد عمل بمليون دولار. ما يهم هو أن تكوني سعيدة ومكتفية من الداخل».
كانت تلك عبارة للكاتبة التركية إليف شافاق في روايتها الصادرة من عمق التجربة «حليب أسود».
حين تتحدث شافاق عن السعادة والاكتفاء الداخلي، فإنها لا تبتعد بلا شك عن الرضا والقناعة، فإذا كان المرء مقتنعاً راضياً بما لديه، فإنه لن يلهث أبداً وراء سراب أو يقضي جلّ عمره في البحث عما لا يملكه أو في السعي للحصول على ما بيد غيره.
سيكون واثقاً بأن ما لديه اليوم يتناسب مع قدراته واحتياجاته وسعيه الآن، ولن يجد فيه نقصاً يؤذيه أو يسبب له الغبن ويجرّه لحسد غيره.
كثير من الأشخاص يشعرون بالرضا التام عن خياراتهم في الحياة وما اختاره الله عزّ وجل لهم؛ إذ نجد أزواجاً لم يكتب لهم الله أن ينجبوا، ولكنهم راضون بقضائه وقدره، وآخرين لا يمتلكون إلا ما يكفيهم السؤال لكنهم مقتنعون بما يملكون ويشعرون بالسعادة لأنهم لم يضطروا لمد أيديهم إلى أحد، وغيرهم لم يستطيعوا الحصول على وظيفة كبرى يسعى لها كثيرون لكنهم سعداء بما يملكون اليوم، والأمثلة كثيرة لا مجال لذكرها في هذا المقام.
الرضا والقناعة مصدران أساسيان من مصادر السعادة في هذه الحياة. وهذا بكل تأكيد لا يعني أنهما ضدا الرغبة في التطور والسعي نحو الأفضل، فحين نتحدث عن الرضا، فنحن نضع شروطاً للعيش سعداء الآن في هذه اللحظة بكل ما نملك وما نحن عليه وما ينقصنا وما لم نحققه بعد، أن نقبل بما لدينا من دون تذمر فيما نحن نسعى إلى تحقيق الأفضل في المستقبل بجدنا وإصرارنا وعملنا وأملنا.
يروى في القصص القديمة أن طفلاً وأمه كانا يسكنان منزلاً من غير سقف، وحين سقط المطر خلعت الأم الباب المتهالك ووضعته فوق جدارين في زاوية المنزل فظللهما وحماهما من البلل، وحين انتهت من مهمتها همس الطفل إلى أمه حزيناً: ماذا سيفعل من لا يملك باباً الآن؟
ذلك هو الرضا الذي يجلب السعادة، ويريح من يتحلى به ومن حوله. الرضا الفطري الذي خلقنا به قبل أن نستبدله بالطمع والجشع.
نهايةً: من المهم أن نسعى جميعاً إلى تحقيق الرضا الداخلي الذي يؤدي بالضرورة إلى تحقيق السلام مع النفس، ومع المجتمع والطبيعة وبشكل مباشر وأساس مع الله سبحانه وتعالى.
sawsanon@gmail.com