الروس.. وفعل الخير
صادق ناشر
يحاول الروس الاستفادة قدر الإمكان، من الوضع المقبل في سوريا لمصلحة اقتصادهم الذي ذهب جزء منه لصالح تدخلهم العسكري لمساندة رئيس النظام بشار الأسد، الذي جدد التأكيد على موقف بلاده الثابت من التعاون مع روسيا لعقود طويلة، وذلك خلال الزيارة التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين مؤخراً إلى قاعدة حميميم، قبل أن يقوم نائب رئيس الوزراء الروسي ديميتري روجوزين بزيارة إلى سوريا على رأس وفد حكومي واقتصادي لبحث الإسراع في عملية إعادة الإعمار، حيث أشار إلى أن النظام يخطط للتعاون مع بلاده بشكل حصري كنوع من رد الجميل للمساندة الروسية.
اللافت في تصريحات المسؤول الروسي قوله إن روسيا لن تنخرط في مشاريع إعادة الإعمار «كفاعل خير»، لكنها ستراعي مصالحها، حيث يرى أن بلاده تنظر إلى سوريا باعتبارها بلداً غنياً بأرض خصبة، ولديها ثروات باطنية، هذا عدا عن موقعها الاستراتيجي، وأن للشركات الروسية الحق في تطوير مشاريع اقتصادية في سوريا، خاصة أن الوجود العسكري للقوات الروسية مستمر هناك.
لم يبتعد روجوزين عن قول الحقيقة، فالمحادثات التي أجراها المسؤولون الروس خلال الفترة الماضية مع نظرائهم السوريين، كانت مطوّلة وسبقتها تحضيرات ضخمة شاركت فيها الوزارات المعنية والمؤسسات الاقتصادية الروسية العاملة في سوريا، وجاء لقاء بوتين الأسد ليضع اللمسات النهائية على الاتفاقيات التي ستوقع، حيث سيكون لروسيا النصيب الأكبر من عقود مشاريع إعادة إعمار سوريا، التي تقدر تكلفتها بعشرات المليارات من الدولارات، والتي ستفيد روسيا في المستقبل، وتضع اقتصادها في موقع أكثر قوة.
من الواضح أن التدخل الروسي في الحرب إلى جانب النظام، كانت له حسابات عسكرية واقتصادية معاً، ونجح الروس في إنقاذ النظام وإبقائه ومن ثم استغلال موقع سوريا الجغرافي لتبقى روسيا في تماس مع الولايات المتحدة، التي صار انحيازها إلى «إسرائيل» يتجذّر كل يوم، ما يمنح روسيا وضعية أفضل في إطار الصراع في الشرق الأوسط وتكسب حلفاء جدداً في إطار الحرب الباردة والساخنة معاً بينها وبين الولايات المتحدة، التي تخسر كل يوم مزيداً من مصداقيتها بالمجاهرة بالعداء للقضية المركزية للعرب، وهي القضية الفلسطينية، خاصة بعد القرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية إليها.
الروس ليسوا فاعلي خير ولن يكونوا، والمساعدة التي قدّمتها روسيا من أجل إنقاذ النظام في سوريا ليس مجاناً، فالروس لهم حساباتهم العسكرية والاقتصادية والسياسية أيضاً، وبالقدر الذي يرون فيه مصلحة لبلدهم يقدّمون على اتخاذها، وهو جوهر الحديث الذي أدلى به نائب رئيس الوزراء الروسي، عندما أشار إلى أن بلاده سوف تكون الأولى في إعادة إعمار سوريا، وهل يستطيع النظام السوري معارضة ذلك؟.
من الواضح أن كل مشاكل العرب وخرابهم تصب في مصلحة الأجنبي، والدرس الروسي في التعاطي مع المرحلة المقبلة في سوريا خير دليل على أن بلدان العرب صارت مفتوحة للخراب بأيدي أبنائها وساحة لإعادة إعمارها بأيدي غيرهم، والخاسر الوحيد، بالطبع، هو الشعب العربي الذي يدفع ثمن أخطاء حكّامه.
sadeqnasher8@gmail.com