العالم ينتصر لفلسطين
د. حسن مدن
انتصر العالم للضمير، حين تحدّت 128 دولة، في قوامها دولٌ من أهم دول العالم وأقواها اقتصادياً وتأثيراً في مجريات السياسة الدولية، ابتزازَ الإدارة الأمريكية الحالية ووقاحتها، التي تجلت في التهديدات التي وجهتها المندوبة الأمريكية الدائمة في الأمم المتحدة، بوقف المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لبعض دول العالم، ولاعتبارات تخص الاستراتيجية الأمريكية في العالم، أكثر من كونها مساعدات تنطلق من بواعث أو معايير إنسانية.
ففي سابقة لم تعرف الأمم المتحدة مثيلاً لها من قبل استبقت المندوبة الأمريكية جلسة التصويت بالقول إنها مكلفة من الرئيس ترامب بأن تقدم له كشفاً بأسماء الدول التي ستصوت ضد قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، واعتبارها عاصمة ل«إسرائيل»، ليعاقبها، تماماً كما تهدد أستاذة فصل تلاميذها برفع أسماء المتغيبين عن حصة من الحصص لإدارة المدرسة كي تتخذ ضدهم ما يلزم من عقوبات، وفي ذلك خرجت هذه المندوبة عن كل حدود اللياقة، وهي تخاطب دولاً مستقلة ذات سيادة، ولها كامل السيادة على قراراتها.
وبرغم هذه الضغوط والابتزازات فإن الإدارة الأمريكية لم تفلح إلا في حمل أقل من عشر دول، أغلبيتها لم يسمع العالم بأسمائها من قبل، على التصويت ضد قرار الجمعية العامة التي انعقدت بصورة استثنائية انتصاراً للقدس ولفلسطين، ومع أن تلك الضغوط قللت من عدد الدول التي كان يمكن أن تصوت بنعم للقرار، حين اختارت نحو خمس وثلاثين دولة التغيب أو الامتناع عن التصويت، إلا أن ذلك لم يحل دون أن ينال القرار أكثر من ثلثي أصوات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما سجّل انتصاراً معنوياً وسياسياً للشعب الفلسطيني ولقضيته الوطنية، يجدد دعم العالم لحقوقه المشروعة في إقامة دولته الوطنية المستقلة على أرض بلاده، تكون القدس عاصمة لها.
في كلمتها في الجلسة التي اتخذت القرار تساءلت المندوبة الأمريكية، وبامتعاض: «كيف يمكن أن تسمع «إسرائيل» كل هذه الكلمات العدائية، ومع ذلك تقرر البقاء في هذه المؤسسة؟». والإجابة عن هذا السؤال ليست عسيرة، فأمريكا، كما «إسرائيل» تدركان أن مجمل السياسة «الإسرائيلية» مخالفة للشرعية الدولية، ولميثاق المنظمة الأممية، ولكل ما استقر من قواعد ومبادئ في السياسة الدولية في النظر إلى قضايا الشعوب وحقوقها في تقرير مصيرها.
ليست «إسرائيل» وحدها من يتعين عليها الإصغاء لما قالته دول العالم في تلك الجلسة، وإنما أيضاً الإدارة الأمريكية التي تعتقد أن العالم يدار بمنطق الصفقات التجارية، وبابتزاز الشركاء والحلفاء، متجاهلة، والعالم في القرن الحادي والعشرين، أن هناك حدوداً أخلاقية ومبدئية لا يمكن أن تباع وتشترى، ولا يصح التفريط فيها، وأن سياسة كتلك التي تمارسها بشأن القضية الفلسطينية، سترتد عليها بنتائج عكسية غير تلك التي تتوخاها، فالطريق إلى الحقوق، وإن طال، لن يؤدي إلا لنيلها.
madanbahrain@gmail.com