قضايا ودراسات

العراق إلى أين؟

هاشم عبدالعزيز

العراق إلى أين؟ هذا السؤال تطرحه التداعيات المتسارعة، والأحداث والتطورات المتناقضة التي تبدو في مشهد رمادي لكل شيء في العراق.
في هذا الشأن يمكن الإشارة إلى أبرز التطورات التي يشهدها العراق، وكان معقوداً عليها الخروج من أزماته، واستعادة نهوضه والمتمثلة في معركة العراق ضد سيطرة جماعة تنظيم «داعش» على مدن ومناطق ذات أهمية حيوية واستراتيجية.
لقد استطاعت القوات العراقية أن تستعيد قرابة 85% من المواقع والمناطق التي سيطرت عليها الجماعات الإرهابية، وألحقت بهذه الجماعة هزيمة مذلة.
بيد أن هذه العملية تشهد محاولة إجهاض بدوافع وأساليب وأسباب متعددة ومن ذلك:
أولاً: تفجير قيادة إقليم كردستان العراق معركة الانفصال، بكل تداعياتها، ليس على أوضاع العراق في رهانه الصعب، وحسب، بل وعلى مصير هذا البلد في وحدته واستقراره، والمنطقة برمتها.
ثانياً: لجوء جماعات «داعش» إلى زيادة عملياتها الإرهابية التي يذهب ضحيتها الأعداد الغفيرة من الضحايا الأبرياء، وفي هذا الشأن لا يمكن النظر إلى ما يحدث على أنه محاولة بائسة وانتحارية لهذه الجماعة لتبقى تحت الأضواء الإعلامية.
إن حسابات الانتصار على هذه الجماعة طالما بقيت قائمة على خروجها من المدن التي كانت تسيطر عليها، ستبقى خاطئة، لأنها لا تضع نهاية لجرائمها الإرهابية في البلاد، والمسألة هنا ليست قاصرة على الملاجئ التي تذهب إليها هذه الجماعة بعد انسحابها من المدن التي كانت تسيطر عليها فقط، بل وعلى الاحتراز الأمني من جرائمها.
هنا يمكن القول إن الحال الإرهابية المتداعية في العراق ما كانت لتصير سائدة لولا التقصير الأمني، وهو لن يستقيم من دون مراجعة ومحاسبة تعيد الاعتبار للمسؤولية الملقاة على الأجهزة الأمنية.
ثالثاً: الانقسام السياسي الذي ترعاه القوى السياسية، ليس بتغليب المصالح الحزبية الضيقة وحسب، بل وبالارتباطات الإقليمية والدولية التي يغيب عنها العراق، هوية وقضية.
رابعاً: الانقسام الوطني الناجم عن انبعاث النعرات، والنزعات والممارسات الطائفية، وإضعاف الرابط الوطني، بإيقاظ الرواسب التي كان المجتمع والشعب العراقي تجاوزها، والكابحة والمعيقة لبناء الدولة المدنية.
خامساً: الفساد الذي يستشري في أجهزة الدولة، وغدا ظاهرة تعبث بإمكانات البلاد، وحياة العباد، وهي إحدى أخطر القضايا التي تواجه العراق في استقراره، وحياة أبنائه، وإنماء العراق وتطويره.
سادساً: سياسة الأطراف الإقليمية والدولية القائمة لا على استثمار ضعف العراق، بل والمزيد من تركيعه وتحويله من دولة ذات شأن إلى مجرد غنيمة مفتوحة على كل شيء، إلا على استعادة نهوضه.
العراق في لحظة تاريخية ومصيرية، والمستقبل ليس رهن دور عربي، أو دعم دولي، مع أهمية ذلك، لكن القضية مرتبطة بمستقبل العراق ومصيره.
وهنا يمكن القول إنه لا بد من خروج القوى السياسية من انقسامها إلى رحاب الشراكة الوطنية لإعادة بناء الدولة وبناء العراق الجديد.
ولا بد من الشروع في إصلاحات جذرية لتقويض الفساد وتصفية كل ما هو مثير للطائفية والمذهبية وغيرها. من دون التعامل مع مجمل ما يهم العراق على أنه حق ومسؤولية لكل مواطن عراقي لا يحق لأي كان مصادرته، أو التقليل من شأنه.
ثم، لا بد من استعادة الوعي بأن العراق فوق الأحزاب، وفوق الطوائف والمذاهب، وهو يمتلك القدرات لاستعادة حضوره في حاضنته العربية ولدوره إقليمياً ودولياً، بفعالية ومسؤولية تخدم مصالح عالمنا الدولي، والإنساني بأسره.
نقول، من دون أن تبادر القوى السياسية والفعاليات العراقية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية إلى العمل للخروج من حالة الضياع المدمرة للعراق، قضية وهوية، فإن العراق سيكون أمام المجهول.
انفصال كردستان العراق سيكون بداية لتقسيم العراق وشرذمته، والإرهاب سيجد في هذا الوضع ما يساعده ليس في مواصلة جرائمه فقط، بل وفي إعادة تغلغله وانتشاره.
إن العراق بحاجة إلى العمل الوطني برنامجاً وآلية، ومن دون ذلك كل الوعود والمغريات العسلية لن تغير في إنقاذه.
فهل يبدأ العراقيون، خاصة السياسيين، خطوة في اتجاه العراق بإعادة الاعتبار لوحدة أبنائه وكيانه ومكوناته؟
هذا هو رهان العراق لمواجهة شرذمته، وتفكيكه.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى