العراق في قلب العرب
علي قباجه
خطوة الكويت باستضافة مؤتمر لإعادة إعمار العراق، وسعيها الدؤوب؛ للنهوض به من كبوته، بارقة أمل كامنة في عالمنا العربي، فرغم التوتر الذي شاب العلاقات بين الدولتين؛ عَقِبَ الغزو العراقي للكويت مستهل تسعينات القرن الماضي، إلا أن ذلك طويت صفحته للأبد؛ حيث تجاوزته الكويت بالمؤتمر الذي دعت إليه، والذي ضم بين جنباته ما يزيد على 75 دولة ومنظمة دولية؛ تعهدت بدعم العراق ب30 مليار دولار من أصل 88 ملياراًَ تحتاج إليها بغداد.
ما حدث مثال حي على تغليب اللُحمةِ العربية، والتعاضد الأخوي على حساب آلام الماضي وخلافاته؛ وبهذا تكون الكويت قد وضعت حجراً مهماً في أساس وطن عربي متسامح؛ قُوامه وحدة الجسد، فآماله وألامه واحدة، لا تفتته الخلافات، ولا تفك عضده التجاذبات.
وهذا ما ينبغي أن تُبنى عليه علاقات الدول العربية كافة؛ من خلال العمل بمبدأ: «أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا».
ما يقوي شوكة العرب؛ آلية سياسية تجمعهم، تقرب وجهات نظرهم، وتعمل للمصلحة العامة، مقلصةً الفروق والاختلافات، فتسعى حينئذ لحل المشاكل القائمة بالحوار؛ من خلال جمع الفرقاء تحت شعار أن الوطن العربي واحد؛ فالعرب يمتلكون القدرة على القيام بذلك؛ إذا سعوا إلى حل مشاكلهم، دون تدخل الغرباء ودول الاستعمار، وسيطاً للحل والربط.
العراق، وبعد المصائب الجمّة، التي ألمت به؛ بدءاً من الغزو الأمريكي، وليس انتهاء بالاحتلال «الداعشي»، الذي أتى على الأخضر واليابس قبل أن يجر ذيول الهزيمة مذموماً مدحوراً، يحاول اليوم استعادة أنفاسه ولملمة شتاته، ورغم طول الطريق إلا أن الخطوة الأولى مطلب مهم في السير نحو البناء.
ومثال العراق، ينبغي على الليبيين والسوريين وبقية دول أتون الاقتتال الداخلي أن تقتفي أثره؛ باستعادة زمام المبادرة؛ والتوصل إلى حلول تنقذ البلاد والعباد، ثم الشروع بإعادة إعمار ما خلّفته آلة الاحتراب؛ لكن هذه الغاية تحتاج فيها الدول إلى حاضنتها الإقليمية القومية؛ لإخراجها من الحفرة المُوحلة، التي غرقت بها.
المنطقة العربية بحاجة إلى جامعة عربية فاعلة ومؤثرة توحد مصيرها، وتفض نزاعاتها، وتبث روح الوحدة بين شعوبها، وتعزز ثقافة الانتماء، إلا أن هذه المؤسسة- في نفس الوقت- لا بد لها من أدوات، وهامش صلاحيات أكبر؛ تتحرك من خلالها؛ محققة تطلعات الشعوب، بإقليم قوي، عصي على الانكسار.
منظمة دول مجلس التعاون الخليجي استدركت أهمية الاتحاد، وحققت -في سبيله- نتائج ملموسة على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي، فإذا استُنسخت مثل هذه التجارب قد يتغير مصير المنطقة نحو الأفضل؛ بحيث تلبي متطلبات الأجيال المقبلة، دون صراعات تدميهم وتحطم آمالهم.
aliqabajah@gmail.cpm