العرب وأوروبا و«صفقة القرن»!
د. ناجى صادق شراب
لن تقتصر تداعيات «صفقة القرن» على الفلسطينيين و«الإسرائيليين» فقط، فالطرف الفلسطيني المستهدف الرئيسي من هذه الصفقة لن يقبل بأقل من الحد الأدنى للمصلحة الوطنية الفلسطينية والمتمثل في الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، أما «إسرائيل» فهي المستفيدة من هذه الصفقة لأنها تحصل على ما ليس حقا لها. لكن في الوقت ذاته لن تكون الولايات المتحدة ومصالحها بعيدة عن تداعيات هذه الصفقة. وهناك طرف متضرر آخر، هو الطرف الأوروبي الذي له مصلحة مشتركة مع الولايات المتحدة ومع الدول العربية، فهو سيجد نفسه متضرراً جراء الصفقة لأن له مصالح واسعة في المنطقة، إضافة إلى التهديد الذي يمثله الإرهاب والذي يفرض عليها التنسيق مع الدول العربية.
هذه الدائرة من المصالح المشتركة تفرض على الدول العربية والأوروبية مسارعة الزمن ومحاولة إقناع الولايات المتحدة بضرورة تعديل المبادرة، والإعلان الصريح عن تأييد حل الدولتين، والموافقة على المبادرة العربية التي ما زالت تشكل باباً واسعاً لترجمة المبادرة الأمريكية على أرض الواقع.
الدول العربية لا يمكن أن تقبل بما هو مرفوض فلسطينياً، ولا أقل من المبادرة العربية، وتدرك الدول العربية أن أحد أهم أهداف المبادرة الأمريكية هي تحقيق السلام الإقليمي في المنطقة من منظور «إسرائيلي»، وتدرك في الوقت ذاته أن لا قبول لهذا السلام من دون تسوية سياسية عادلة فلسطينياً، ولا تتعارض مع المبادرة العربية، وبالتالي فإن أي مبادرة أمريكيه لا تلبي هذه الاحتياجات الفلسطينية الأساسية ستكون مرفوضة عربياً، ومن شأن هذا الرفض أن يضع العلاقات الأمريكية – العربية في محك الاختبار، وقد تدخلها في مرحلة من التوتر الذي تستفيد منه الدول الإقليمية وروسيا والصين.
وفي هذا السياق من المصلحة المشتركة أن يكون للدول العربية المؤثرة دورها المباشر في الضغط على الإدارة الأمريكية مستخدمة كل ما لديها من أوراق قوة، وما طالبت به الشرعية الدولية في مجمل قراراتها الخاصة بالقضية الفلسطينية كشرط لقبول «إسرائيل» في المنطقة.
فالحل لن يفرض بالسيف وليس بأوامر من قوة عظمى، ولكن من خلال إدراك أن هناك مصالح مشتركة تفرض نفسها، هذا الإدراك قد يلعب دوراً في تعديل المبادرة الأمريكية لتبدو أكثر قبولاً فلسطينياً، وتبدو أكثر مخاطبة لحل الدولتين. أما الموقف الأوروبي فقد لا يختلف كثيراً عن الموقف العربي، فأوروبا أكثر من أي طرف آخر تضرراً بالمبادرة الأمريكية، لما لها من مسؤولية سياسية وأخلاقية وإنسانية تجاه القضية الفلسطينية، والأكثر تضرراً من قضايا الإرهاب والهجرة، وتدرك الدول الأوروبية أن مفتاح الاستقرار والسلام في المنطقة هو بحل القضية الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية، ومن ناحية أخرى فالموقف الأوروبي يقوم وبوضوح على الاعتراف والقبول بحل الدولتين، وقد أبدت كثير من الدول الأوروبية موقفاً متقدماً من الاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذه المحددات تفرض على أوروبا التحرك بسرعة لتفادي أي تداعيات سلبية للمبادرة الأمريكية.
drnagishurrab@gmail.com