مقالات عامة

العرب والهند والفرص الضائعة

كمال بالهادي

قام رئيس حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» قبل أسابيع بزيارة دول إفريقية عدّة، وعاد منها بدعم العلاقات الاقتصادية وتطوير العلاقات الدبلوماسية، والأهم من ذلك هو النجاح في إقناع القادة الأفارقة بتبني الرؤى «الإسرائيلية» حول القضية الفلسطينية، وإقناعهم أيضاً، بالدفاع عن فكرة انضمام «إسرائيل» إلى الاتحاد الإفريقي، وهو ما قد يتمّ في اجتماع القمة الإفريقية القادمة.
وهي الزيارة التي اعتبرها نتنياهو قد رسخت أقدام «إسرائيل» في القارة السمراء، ورفعت العلاقات إلى مستوى باتت فيه دول إفريقية كثيرة تصوت لمصلحة «إسرائيل» في المنظمات الأممية، بعد أن كانت القارة الإفريقية الأكثر مساندة للقضية الفلسطينية. فالقارة التي أنجبت مانديلا لا يمكن أن تقف في صف دولة استعمارية تمارس التمييز العنصري ضد السكان المحليين أصحاب الأرض.
غير أن العرب أضاعوا علاقتهم الوثيقة بالقارة الإفريقية، وهم يخسرون كل الإرث الذي صاغه جمال عبد الناصر، ودافع عنه مانديلا.
غير أن الحالة الإفريقية ليست هي المثال الوحيد على ضعف الدبلوماسية العربية، وهو ضعف ينتج انسحاباً من التجمعات الإقليمية المؤثرة، وهو ما يفتح المجال لدولة الاحتلال لتدخل وتملأ الفراغ، بل لتكسب مؤيدين لها في صراعها مع العرب. وبعد إفريقيا تتجه دولة الاحتلال إلى بلد غاندي، الذي بات حليفاً استراتيجياً لحكومات الاحتلال المتعاقبة، الهند التي تشير كل الدلائل إلى أنها ستكون خامس أقوى اقتصاد عالمي في سوق استهلاكية قوامها مليار و250 مليون نسمة، وبقوة تكنولوجية صاعدة، وبنسب نمو مرتفعة وسريعة تتجاوز عتبة 6 في المائة سنوياً، أي ثلاثة أضعاف نسق النمو الاقتصادي العالمي.
الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى الهند عكست قدرة دويلة الاحتلال على تسويق نفسها كدولة ديمقراطية في الشرق الأوسط، وكشريك اقتصادي جاذب للشركات الكبرى، رغم أنه واقعياً هو في حالة حرب. ومن يتابع تغريدات رئيس حكومة الاحتلال سيكتشف أنّ إدارة العلاقات الدولية لا تخضع لمنطق العاطفة، بل إن السياسة الدولية لا تعير اهتماماً لغلبة منطق الحق على منطق القوة. وما يقع في الحالة الهندية، يعكس بصورة واضحة قدرتهم ليس على قلب الحقائق فقط، بل على جعل أعداء الأمس، أصدقاء اليوم.
خلال السنوات الماضية كانت هناك منتديات ولقاءات عربية- صينية وعربية – يابانية، في محاولة لتشبيك العلاقات الاقتصادية مع بلدين يتربعان على قمة الاقتصاد العالمي، ولكن الهند التي تعتبر أحد أضلع مجموعة «بريكس»، ظلت منسية، رغم كل الإمكانات التي يمكن أن تجعلها شريكاً قوياً للعرب.
إن شراكات من هذا النوع تستوجب قبل كل شيء وجود مؤسسات عربية مشتركة تروج للوجهة العربية كإقليم، أو كفضاء، أو تكتل اقتصادي يمتلك قدرات تفاوضية، ويمتلك مقدرات جاذبة للاستثمار، ولكن المؤسسات العربية إما مجمّدة، أو معطلة.
وإذا أضفنا إلى هذا التعطيل، الخلافات السياسية التي تعصف بالعلاقات العربية، فإنه يصبح من المنطقي إضاعة فرصة استثمارية في حجم الهند. ويصبح من المنطقي أيضاً أن تتقدم حكومة الاحتلال لملء الفراغ العربي.
تنجح حكومة الاحتلال التي طردت ملايين الفلسطينيين من بلدهم والتي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية منذ نحو سبعة عقود، في بناء علاقات وثيقة، وفي كسب حلفاء دائمين، فيما يضيع العرب الحلفاء التاريخيين، ويخسرون مناطق دبلوماسية جديدة ويقدمونها على طبق من ذهب، لعدو لا يترك فرصة إلا وتسرب منها، عملاً بقول الشاعر نزار قباني«ما دخل اليهود من حدودنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا». والهند هي مجرد مثال على الفرص الضائعة.
نيودلهي مجرد مثال سقناه لنبين أن طريقة إدارة معركة القضية الفلسطينية لا تسير في طريقها الصحيح منذ ما يزيد على السبعين سنة.
belhedi18@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى