قضايا ودراسات

العقيدة العسكرية التركية الجديدة.. قطر نموذجاً

محمد نور الدين
لفت المراقبين والمحللين وصناع القرار الموقفُ التركي الجازم إلى جانب قطر منذ اللحظة الأولى لانفجار الأزمة مع كل من السعودية والإمارات ومصر.
بطبيعة الحال تعددت التفسيرات لخلفيات موقف أنقرة الذي يسبب لها الأذى البالغ من وراء تفضيلها الوقوف إلى جانب دولة صغيرة مهما عظمت ثروتها المالية من النفط ولا سيما الغاز الطبيعي، وجلب غضب دول لها تاريخها ودورها وموقعها المحوري في المنطقة.
في الواقع اعتقدت تركيا أنها تستطيع أن تتذاكى. من جهة تنتقد بشدة قرارات الدول تلك ضد قطر واصفة إياها بأنها «خاطئة وغير إنسانية ومخالفة للإسلام وتتسم بالكراهية»، ومن جهة ثانية تقترح القيام بوساطة لحل الأزمة، وهي تعرف أنها لا تملك شروط القيام بوساطة كونها طرفاً منحازاً إلى أحد طرفي الأزمة.
لقد ولى زمن «الدور الوسيط» لتركيا في أزمة قطر وفي كل الأزمات، إذ إن الليث التركي الذي تبسم طويلاً للجميع لم يلبث أن كشّر عن أنيابه منذ بدء ما يسمّى ب«الربيع العربي» وانقلبت ابتساماته ونعومته إلى غدر وخيانة وقلة وفاء لمن فتح له أبوابه أملاً في أن يخرج من حديقة تحالفاته «الإسرائيلية» إلى حديقة عربية وإسلامية تتوق إلى التكامل والتعاون. ودخلت تركيا، بكذبة «العمق الاستراتيجي» إلى سياسة «التسلط الاستراتيجي». فكان الخلاف العميق مع مصر والسعودية وسوريا والعراق ولاحقاً مع تونس ناهيك عن التوترات مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.
لا تقف الدول عند سياسات ثابتة بل تغير تكتيكاتها فيما هي تحاول الوصول إلى أهدافها من طرق أخرى.
لقد تحولت تركيا من «قوة ناعمة» إلى قوة خشنة وحادة عبر التدخلات العسكرية، لكن التغيير الأبرز كان فيما يتعلق بالعقيدة العسكرية التي تجاوزت كل ما عرفته تركيا عبر العقود الماضية.
فتركيا عرفت في عهد اتاتورك ما يشبه الانكفاء عن المشكلات العالمية حتى أنها نأت بنفسها عن نيران الحرب العالمية الثانية. وفي مرحلة ما بعد الحرب الباردة لم تتحرك بمفردها بل من خلال حلف شمال الأطلسي.
لكن في السنوات الأخيرة ومع تقهقر المشروع التركي في دول المنطقة العربية وتغير المشهد السوري وازدياد التحديات أمام المشروع العثماني لرجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو، كانت تركيا تضع عقيدة عسكرية جديدة وهي أن تضرب التهديدات في منابعها من قبل أن تصل إلى تركيا. ومع أن تركيا كانت تبرر ذلك بالتهديد الكردي لأمنها القومي في سوريا والعراق، غير أن الخريطة الميدانية للتحرك التركي كانت تكذّب هذه النظرية.
بموجب هذه النظرية تدخلت تركيا في سوريا واحتلت مناطق بين جرابلس والباب وحدود عفرين. وعملت على إقامة قاعدة عسكرية في منطقة بعشيقة في العراق غصباً عن الحكومة العراقية. ولها أكثر من 12 مركزاً عسكرياً في شمال العراق. وهي تعد الآن لإقامة قاعدة عسكرية في جبل الشيخ في منطقة إدلب المشرف على مدينتي إدلب وعفرين.
وتمددت تركيا بعيداً عن حدودها من خلال إقامة قاعدة عسكرية في الصومال قبل حوالي السنة والإعداد لإقامة قاعدة عسكرية في قطر. كذلك إجراء مباحثات لإقامة قواعد في أذربيجان وجورجيا والبوسنة. فضلاً عن أنها تحتل الجزء الشمالي من جزيرة قبرص.
ويتساءل المراقبون عن الهدف من قاعدتي الصومال وقطر وضد من؟ هل تخدم هذه القواعد الحرب ضد حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق؟ أم أنها تخدم المشاغبة في الصومال على الدور المصري في إفريقيا؟ أم أنها تخدم المشاغبة على الدور السعودي والإماراتي في الخليج والجزيرة العربية؟ أم أنها جميعها في النهاية تخدم الرغبة التركية في أن تجد لها موطئ قدم يمارس الضغوط لتحصيل ما أمكن من مكاسب لم تستطع أن تحققها في الجولة الأولى مما سمّي ب«الربيع العربي»؟.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى