العملات الرقمية وفرضيات الأسواق

جون كويجن *
أثار الصعود الكبير، خلال الفترة الماضية، للعملات الرقمية، خصوصاًَ البتكوين، ومن ثم تهاويها السريع، الكثير من المخاوف، التي أشارت إلى أن انفجار فقاعة العملات المشفرة يمكن أن يُلقي بظلاله السلبية على الأسواق المالية بشكل ملحوظ، على الرغم من تأكيد الخبراء أن الأثر السلبي لذلك لن يكون بالقدر الذي تتوقعه الأوساط في السوق، بيد أن انفجار فقاعة البتكوين ستؤدي إلى تدمير ثقتنا في كفاءة الأسواق المالية. فمنذ سبعينات القرن الماضي، كانت السياسة الاقتصادية تعتمد على فكرة أن أسعار الأسواق المالية تعكس جميع المعلومات الخاصة بسعر أي سلعة ما، وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن أسعار السوق في التقييم الأفضل لقيمة أي استثمارات، وبالتالي يترتب الاعتماد على بيانات الأسواق المالية لتخصيص الاستثمارات ووضعها في أوجهها المناسبة.
وتستند هذه الفكرة، التي تعرف في الاقتصاد بفرضية فاعلية السوق من الناحية الفنية، بشكل ضمني إلى تحرير الأسواق المالية، الذي بدأت بوادره منذ السبعينات، ورغم تراجع الثقة في تلك الفرضية الآن، إلا أنها لا تزال الخلفية التي تستند إليها الكثير من البنوك المركزية، إضافة إلى السياسات الاقتصادية حول العالم. وقد استطاعت تلك الفرضية أيضاً النجاة من ثورة الإنترنت التي اجتاحت العالم أواخر التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين، إضافة إلى الانهيار، الذي ضرب سوق المشتقات المالية، وأدى إلى الأزمة المالية العالمية في عامي 2007 و2008، ورغم أن الفرضية كان يجب أن تنهار بمجرد مرورها بأزمات مثل تلك التي حدثت، إلا أنها لا زالت حية حتى وإن كانت في حالة خمول.
رغم كل ما ذكر، فإن تلك الفقاعات الماضية بدأت وانبثقت من فرضيات كانت تبدو معقولة وقتها؛ حيث إن ظهور الإنترنت مثلاً أدى إلى تغيير حياتنا بشكل كبير، علاوة على أنه قاد شركات كانت صغيرة وقتها إلى تحقيق أرباح طائلة جعلت منها إمبراطوريات عالمية حالياً مثل: «جوجل» و«أمازون» وغيرها، وكان من الصعب تقييم كل عنصر على حدة، أما الآن، فيمكننا أن نأخذ كل جانب على حدة؛ لكن تجربة البتكوين والعملات الرقمية الأخرى تبدو مختلفة قليلاً، ولا تستند إلى فرضية واضحة.
وظهرت عملة البتكوين لأول مرة قبل نحو عقد من الزمن، وكانت فكرتها الأولية تتمثل في إحلالها بديلاً جزئياً لعمليات الدفع الإلكترونية؛ لكن ومع انتفاخ فقاعة العملات الرقمية بداية من العام الماضي، كان من الواضح جداً أنها في طريقها نحو الانفجار، فلم يكن التعامل بها يتم على نطاق واسع مثلاً، وهو من أهم العوامل التي أعتقد أنها قادت العملة إلى هذا الهبوط السريع، وإلصاق وصف «فقاعة» بجميع العملات الرقمية التي ظهرت معها.
* نيويورك تايمز