غير مصنفة

الفقراء وحدهم يموتون بألم

غوين ديير*

جاء في دراسة حديثة لمجلة «لانسيت» الطبية البريطانية المتميزة، أن ملايين الناس في الدول الفقيرة، يعانون في موتهم آلاماً مبرحة، يمكن التخفيف منها، بشيء قليل من الجهد والتكاليف.
إن تكلفة تغطية نفقات تسكين الألم بالمورفين، أو بالمسكنات المكافئة للمورفين، لجميع الأطفال المرضى دون 15 عاماً، والذين يعانون آلاماً مبرحة في الدول ذات الدخل المنخفض، تساوي مليون دولار فقط سنوياً. وحوالي نصف هؤلاء الأطفال سوف يموتون، ولكن مع المورفين، لن يموتوا وهم يصرخون، على الأقل.
تلك هي الطريقة التي مات بها عدد كبير من الناس في الماضي: لا تسكين للألم، أو حامض اسيتيلساليسيليك مثل الأسبيرين في أحسن الأحوال. وهكذا، فإن ضحايا السرطان، والناس المصابين إصابات بليغة، يُمضون أيامهم، وأسابيعهم، وشهورهم الأخيرة، في عذاب مقيم.
ما برح الناس جميعاً يموتون في النهاية، ولكنهم الآن، يموتون بألم أقل بكثير- في الأجزاء الأغنى في العالم. أمّا في كل مكان آخر، فلا تزال الأمور كما كانت في الزمن الماضي الرديء.
وليس ذلك لأن أدوية تخفيف الألم مكلفة: فهي جميعاً خارج براءات الاختراع ورخيصة جدّاً. ومع ذلك، ووفقاً لدراسة نُشرت في أكتوبر في مجلة «لانسيت»، إحدى المجلات الطبية البريطانية، فإن حوالي نصف الناس الذين يموتون كل عام، لا زالوا يموتون «في معاناة خطيرة مرتبطة بالصحة»، كما يصفها الخبراء. وقد كلفت مجلة «لانسيت» نفسها عناء إنشاء لجنة للنظر في هذه الظاهرة، لأنها ببساطة غير معقولة. فمِن بين 56 مليوناً من الناس الذي قضوا نحبهم في العالم العام الماضي، لقي 25 مليوناً معاناة خطيرة ذات علاقة بالصحة قبل أن يموتوا. وكان أربعة من كل خمسة ممن ماتوا في ألم مبرّح، يعيشون في دول نامية. ومع ذلك فإن الأمر لا يحدث لمجرد أنهم فقراء.
جميع الدول الغنية باستثناء الولايات المتحدة، يزيد متوسط العمر المتوقع فيها عن 80 عاماً، ولكن هذا ليس بالشيء الكثير حقاً. فالبلدان المتوسطة الدخل مثل جامايكا وفيتنام، كلها متوسط العمر المتوقع فيها في منتصف السبعينات، وحتى نصف دول إفريقيا يزيد متوسط العمر المتوقع فيها عن 70 عاماً. وليست خدماتها الصحية بوجه عام هي التي تفشل؛ بل رعاية تلطيف وتسكين الآلام.
التباين بين البلدان الغنية والدول ذات الدخل المنخفض، أكبر بكثير في مجال السيطرة على الألم، منه في أي جانب من جوانب الممارسة الطبية. كان معدل الكمية السنوية من المواد المورفينية المكافئة للأفيون المعطاة للمرضى في جميع أنحاء العالم من عام 2010- 13 يساوي 298.5 طن متري. ومن ذلك الجبل الصغير من المورفين، لم يُعط إلاّ 0.1 طن متري فقط- أي 100 كيلوغرام- للمرضى في البلدان ذات الدخل المنخفض.
وهكذا فإن 25 مليون شخص يموتون في غمار ألم كبير كل عام، و35 مليوناً يعيشون في ألم ومحنة مزمنين- وكل ذلك يمكن منعه مقابل استثمار شديد التواضع في الأدوية المسكنة للألم، ولا يتطلب تقريباً أي بنية تحتية طبية جديدة.
المورفين في معظم الدول ذات الدخل المنخفض، أغلى بثلاثة أو أربعة أضعاف ما هو عليه في الدول الغنية. وليس مضطراً أن يكون على ذلك النحو، ولكن حكومات تلك البلدان لم تتدخل لفرض خفض الأسعار بالطريقة نفسها التي اتبعتها، على سبيل المثال، مع تكلفة مكافحة الفيروسات الارتجاعية، للسيطرة على الإيدز.

*صحافي مستقلّ تنشر مقالاته في 45 بلداً. موقع: «انترناشيونال فورين بريس»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى