قضايا ودراسات

الفن والشطرنج والسياسة

عبد اللطيف الزبيدي

هذه بيضة أخرى ودجاجة أخرى. ما يحدث في الساحة السياسية العربية، يشبه تماماً ما يجري على مسرح الفن العربيّ. من الصعب معرفة الطرف الذي كان السابق إلى التأثير في سلوك الآخر: السياسة أم الرأي العام؟ الوسط الفني أم الجمهور؟
في الحفلات الموسيقية، يدخل الجمهور مشحون البطارية للتصفيق، غير مستعد للإصغاء وتقويم مستوى الأداء، قبل الامتحان يحصل الفنان على عشرة من عشرة. منذ النوتة الأولى من مقدمة الأغنية، يبدأ المطرب التصفيق فتلتهب الأكفّ، وينطلق الصفير. في إحدى حفلات أمّ كلثوم طيّر أحدهم طربوشه في الهواء، فقالت له الست: «ارم الفردة التانية». في العروض العربية، فرقة تصفيق الجمهور أعلى صخباً من صوت الجوقة، ما جعل الفرقة تستخدم صواعق الآلات الإيقاعية لتكون في مستوى رعود التصفيق. ربما لهذا لم يكن للموسيقى السيمفونية حظ في البلاد العربية.
في ميدان السياسة، لا يبحث الرأي العام عن الفهم والتحليل. يدخل ساحات ردود الأفعال، على نحو دخول الجمهور مباراة كرة القدم، المواقف محدّدة سلفاً. الإشكالية هي: كيف يمكن التعويل على جماهير عالم عربيّ كهذه في مساعدة السياسيين على اختبار التوجهات السياسية؟ كيف يدرك أصحاب القرار أنهم ينهجون النهج الذي سيوصل شعوبهم إلى برّ الأمان؟ ماذا إذا ظهرت مستجدّات تُغيّر المعادلات، واكتشف السياسيون أنهم محاطون بمن يقولون: «لا رأي إلا رأيك»، ولا يحذرونهم من العواقب غير السارّة؟ النظام العربيّ كان طوال القرن العشرين وما بعده، في حاجة ماسّة إلى العقلاء المحنكين الخبيرين بالحسابات الشطرنجية.
السياسة أخطر من الشطرنج، لأن هذه اللعبة تجري مباراتها بين دماغين، أما لعبة السياسة، فيجب أن يحيط لاعب البطولة فيها نفسه بألف خبير عليم بنتائج كل نقلة، وإلاّ كانت النتيجة على غرار الراعي وجرّة العسل. عندما نستعيد المسيرة السياسية العربية طوال القرن الماضي وما تلاه، نرى عالماً عربياً ليس له تخطيط استراتيجيّ، بل لديه ردود فعل ارتجالية قائمة على أحلام غير مدروسة، وأطراف أجنبية ذات مقاصد وأغراض وسائلها وغاياتها محسوبة بالذرة وما دون الذرة، وتعرف الدماغ العربيّ لا بالكتلة، بل بالخلايا العصبية وتشابكاتها، وتشق للنهر العربيّ المجرى الذي إلى مصالحها مرساه ومنتهاه. يقول جلال الدين: «جال العطّار مدن العشق السبع، ولا نزال في منعطف هذا الزقاق».
لزوم ما يلزم: النتيجة الشطرنجية: مرّ قرن على النقلة الأولى لبيدق وعد بلفور، جلّ قطعنا خارج الرقعة، فهل يستطيع العقل العربيّ إحداث المفاجأة المعجزة في نهايات اللعبة؟

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى