غير مصنفة

القدس

يوسف أبو لوز

لم تتعرض مدينة في التاريخ لمثل ما تعرضت له القدس ذات الأبعاد التاريخية والدينية والسياسية والثقافية المتحولة منذ اليبوسيين والكنعانيين وحتى اليوم.. ولا بأس هنا من هذا الشريط الاستعادي الذي يعرفه كل من تعيش القدس في قلبه وفي وجدانه.
23 حصاراً ضربت على القدس، هوجمت أو جرى غزوها أكثر من 50 مرة، دمرت مرتان.. أما السردية التاريخية فيعرفها الجميع أو يعرفها كل من له ذاكرة عربية مقدسية:.. ولا بأس مرة ثانية من الاستعادة:
من اليبوسيين ودماؤهم كنعانية، الألف الثالث قبل الميلاد، إلى البابليين «نبوخذ نصر الثاني 587 قبل الميلاد، إلى الصراع الوجودي والعسكري وحتى الثقافي بين الفرس والروم، ومن حصارات القدس الحصار الروماني للمدينة، إلى انقسام الامبراطورية الرومانية «روما، القسطنطينية» إلى عمر بن الخطاب، وصلاته المعروفة خارج الكنيسة «كي لا تتحول إلى مسجد» وهو يخاطب صفرونيوس رئيس الأساقفة المسيحيين في أرقى خطاب تسامحي تعايشي منذ مئات السنوات، إلى العهدة العمرية الماثلة إلى الأبد في الذاكرتين: الإسلامية، والمسيحية، إلى عبد الملك بن مروان الذي ميز الصخرة بقبة ذهبية، وأيضاً في إطار مجتمع ديني متسامح متعايش، إلى الأتراك السلاجقة في 1076، ثم إلى الجراد الصليبي العنصري في العام 1099، فبطولة القائد المسلم الكردي وتحرير المدينة من الصليبيين في 1187، ثم الصليبيون مرة أخرى، ثم التتار، وفي الوسط دائماً ثمة رجال تحفظ ذاكرتهم الوجدانية المقدسية: الملك الصالح نجم الدين أيوب، وسيف الدين قطز، والظاهر بيبرس، إلى الدولة العثمانية «400 عام من الهيمنة والاستحواذ انتهت بالهزيمة في الحرب العالمية الثانية»، وبسرعة، إلى الانتداب البريطاني، وأسوأ وعد في التاريخ بعنصريته وانحيازه ولصوصيته: وعد بلفور، ثم التدويل، ثم نكسة حزيران 1967 وحتى اليوم.
هذه ذاكرة مقدسية لابد من استعادتها، بل لا تحتاج إلى استعادة لأنها تاريخ متحرك، وذاكرة متحركة.. ومن اليبوسي الأول، وحتى آخر تلمودي عنصري صهيوني يبحث عن تاريخ مزيف تحت تراب وحجارة القدس، ظلت مدينة المدائن عربية إسلامية مقيمة في قلب الفلسطيني، وعصية على الاختطاف والتهويد والتذويب في الخطاب الديني «الإسرائيلي» المزيف.
منذ اليبوسي الأول، وحتى اليوم كانت وما زالت وستبقى القدس خطاً أحمر ليس للفلسطيني وحده، بل لكل العرب والمسلمين في العالم كله. وإلى جانبهم متعاطفون ومتضامنون من قوميات وأديان وحضارات حية عالمية إنسانية، لأنهم يعرفون أن القدس لا هي شرقية، ولا هي غربية..
هي كلها بأبوابها ومدارجها وزيتونها مدينة الفلسطيني وعاصمة قلبه وبلاده.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى