القدس تنتصر مرّة أخرى
كمال بالهادي
صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام على رفض تبعية القدس الشريف، لدولة الاحتلال، وتلقّت حكومة نتنياهو صفعة قويّة؛ بعد أن رفضت 151 دولة قرار الضمّ، في وقت أكد فيه مسؤولون أمريكيون أن اعتراف واشنطن بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال ربما يصدر في وقت قريب.
الجلسة أغضبت واشنطن، وكان الردّ الفوري للبيت الأبيض على القرار الأممي الجديد، «هذا هو القرار الثامن عشر ضدّ «إسرائيل» منذ بداية العام». وقد امتنعت تسع دول عن التصويت، وأيدت ست دول الأحقية «الإسرائيلية» بالقدس، وهي: («إسرائيل» والولايات المتحدة وكندا وجزر مارشال وميكرونيزيا وناورو). وذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أن القرار صدر مع 5 قرارات أخرى تدين وجود «إسرائيل» المتواصل في مرتفعات الجولان المحتلة، ودعمته 105 دول مقابل 6 معارضة، و58 ممتنعة. وأشارت إلى أنه صدر عقب التصويت قرار أممي ينص على أن أي خطوات تتخذها «إسرائيل» كقوة احتلال لفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في القدس، غير مشروعة، وتعد لاغية وباطلة ولا شرعية لها. ووفق ما نقلته الصحيفة، دعت الأمم المتحدة السلطات «الإسرائيلية» إلى احترام الوضع القائم تاريخياً في المدينة قولاً وفعلاً، وخاصة في محيط المسجد الأقصى.
معركة أخرى تخسرها حكومة الاحتلال في المحافل الدّولية؛ لكن هذا لا يعد كافياً، فرغم التأييد الدولي الواسع، لعدم ضمّ الكيان للقدس عاصمة له، فإنّ هذا لا يعني أيضاً أنّ المجتمع الدولي سيعترف بأنّ القدس هي مدينة إسلامية، وأنّه يجب أن تكون عاصمة لدولة فلسطين. فعلينا أن نعترف نحن العرب أن هذا الانتصار الأممي لمدينة القدس، ليس تأييداً مطلقاً وإنما هو رفض للهيمنة «الإسرائيلية» فقط، ورغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه حتّى يُحلّ مصير المدينة المقدّسة عبر مفاوضات السّلام.
ولكنّ القرار الإيجابي، للجمعيّة العامة للأمم المتحدة، يمثّل خطوة مهمة في إطار حملة الضغوط الدولية التي يمارسها المجتمع الدولي من أجل منع سلطات الاحتلال من بسط يدها على المدينة المحتلة منذ عام 1967. ففي شهر مايو/أيار الماضي، رفضت منظمة اليونيسكو، وبأغلبية ساحقة، سيطرة حكومة نتنياهو على المدينة القديمة في القدس، وقد صوتت الدول المشاركة في اجتماع اليونيسكو على قرار يعد «القدس مدينة مُحتلة، وأنه لا سيادة «إسرائيلية» عليها، وكان من بنود القرار«أن البلدة القديمة في القدس فلسطينية خالصة لا علاقة لها باليهود، مع تأكيد تاريخ المدينة وتراثها الحضاري المرتبط بالمسلمين والمسيحيين وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قررت الولايات المتحدة انسحابها من منظمة اليونيسكو احتجاجاً على ما تعده «معادة لإسرائيل»، وانتصاراً للفلسطينيين.
الرئيس الأمريكي يغامر بمستقبل علاقاته مع الدول العربية والإسلامية، بعدما أعلن أمس الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل». فمثل هذا القرار الذي لم يتجرّأ عليه غيره من الرؤساء السابقين، رغم دعمهم المفضوح وغير المحدود ل «إسرائيل»، يمكن أن يُشعل فتيل اضطرابات غير محدودة في منطقة الشرق الأوسط، التي تشكو أصلاً من عدم استقرار سياسي وأمني منذ احتلال العراق عام 2003. فقرار إدارة ترامب،يعني إعلان حرب حتى على المعتدلين العرب الذين اقتنعوا على مضض بعملية السلام وساروا في ركبها، منذ «اتفاقية أوسلو»، التي لم تقدّم الشيء الكثير لأصحاب الأرض، ولأصحاب الحق.
حكومة الكيان لا تترك محفلاً دوليّاً للدفاع عن فكرة يهوديّة القدس، كما أنها لم تترك وسيلة للضغط على الدول لتبني مواقفها؛ لكنها تفشل في انتزاع اعتراف دولي يتيح لها الاستحواذ على ما بقي من البلدة القديمة، وميدانياً على الأرض لا تترك سلطات الاحتلال يوماً يمرّ دون أن تعمد إلى القضم من المدينة وتهويدها، والتحرّش بالمسجد الأقصى، من خلال تنظيم زيارات استفزازية لجماعات متطرفة. معاول هدم القدس وتهديمها تشتغل بوتيرة متسارعة، وكلما رفض العالم التعنت الصهيوني، تمادى الاحتلال في فرض سياسة الأمر الواقع. وقرار الجمعية العامة الأخير ليس سوى أحد فصول معركة طويلة الأمد، ضد محتلّ لا هدف له سوى البحث عن مشروعية وجوده على الأرض الفلسطينية.
belhedi18@gmail.com