القدس عاصمة فلسطين
د. حسن مدن
ما الذي سيبقى ليتفاوض الفلسطينيون حوله، برعاية أمريكية مفترضة، إذا ما اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة موحدة، وأبدية، لـ «إسرائيل»، وفق ما تطالب به الأخيرة وتسعى إليه، دون وجود أي سند قانوني أو شرعي تتذرع به، فحتى قرار التقسيم الذي على أساسه أسست الدولة العبرية، نصّ على تقسيم القدس إلى شطرين غربي يكون تحت سيطرة «إسرائيل»، وشرقي، وهو الأهم للاعتبارات التاريخية والدينية والثقافية، يكون تحت إدارة عربية تمثلت، في حينه، بالأردن لتعذر قيام الدولة الفلسطينية آنذاك.
وحين احتلت «إسرائيل»، في حرب يونيو/ حزيران عام 1967 الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، أعلنت ضمها إليها وتصميمها على أن تكون العاصمة الموحدة لها، وهو ما يرفضه المجتمع الدولي، بما في ذلك الإدارات التي تعاقبت على البيت الأبيض في واشنطن منذ ذلك التاريخ، رغم أن كل إدارة كانت تزايد على سابقتها في ممالأة «إسرائيل» والانحياز إلى مواقفها ومدها بأسباب الدعم، التي استخدمتها في التمادي في مشروعها التوسعي الاستيطاني، واحتلال أراض عربية أخرى غير الأراضي الفلسطينية.
وبالعودة إلى التاريخ، فإن الموسوعة الفلسطينية تذكر أن عمر المدينة يبلغ خمسين قرناً، وأقام نواتها الأولى اليبوسيون وهم من الجزيرة العربية، والذين نزحوا مع من نزح من القبائل الكنعانية حوالي سنة 2500 ق.م. وقد ورد اسم يبوس في الكتابات المصرية الهيروغليفية باسم «يابثي» و«يابتي» وهو تحوير للاسم الكنعاني.
اقترن النضال من أجل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو الحق المعترف به دولياً، بالقدس بالذات، وقد نصت وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينية المعلنة في الجزائر بتاريخ 15 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1988، على أن تكون المدينة عاصمة الدولة المنشودة.
وحين أقرّ الكنيست «الإسرائيلي» عام 1980، قانوناً بإعلان القدس عاصمة للدولة العبرية، ردّ مجلس الأمن بقرارين، رقم 476 ورقم 478 سنة 1980 أكدَّ فيهما أن ذلك مخالف للقانون الدولي، وليس من شأنه أن يمنع استمرار سريان اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 على الجزء الشرقي من القدس، كما ويفترض أن تكون المدينة ضمن محافظة القدس التابعة لدولة فلسطين.
ما تفادته الإدارات الأمريكية السابقة بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، وبالتالي نقل السفارة الأمريكية إليها، رغم كل الضغوط التي مارسها اللوبي الصهيوني المؤثر في القرارات الأمريكية، تتوجه إدارة ترامب، بالنزق والتهور المعروفين عنها، نحو الإقدام عليه، ضمن سياق سياسي غير مسؤول في التعاطي مع قضية معقدة كالقضية الفلسطينية، بما لها من أبعاد عربية وإسلامية، خاصة حين يتصل الأمر بمدينة القدس.
نهج أمريكي مغامر مثل هذا لن يقود إلى أي حل، بل سيدفع الأوضاع في المنطقة إلى انفجارات جديدة، وما من قوة قادرة على إكراه الفلسطينيين على قبول تسوية مشينة مثل هذه يكون ثمنها القدس بالذات.
madanbahrain@gmail.com